علما من ذلك رجع إليه وإلّا اجتهد في الحكم.
ولما مات أبو بكر وولي أمر الأمّة من بعده عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، فتحت الأمصار وزاد تفرّق الصحابة رضياللهعنهم فيما افتتحوه من الأقطار ، فكانت الحكومة تنزل بالمدينة أو غيرها من البلاد ، فإن كان عند الصحابة الحاضرين لها في ذلك أثر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حكم به ، وإلّا اجتهد أمير تلك البلدة في ذلك ، وقد يكون في تلك القضية حكم عن النبي صلىاللهعليهوسلم موجود عند صاحب آخر ، وقد حضر المدنيّ ما لم يحضر المصريّ ، وحضر المصريّ ما لم يحضر الشامي ، وحضر الشاميّ ما لم يحضر البصريّ ، وحضر البصريّ ما لم يحضر الكوفيّ ، وحضر الكوفيّ ما لم يحضر المدنيّ. كلّ هذا موجود في الآثار ، وفيما علم من مغيب بعض الصحابة عن مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم في بعض الأوقات ، وحضور غيره. ثم مغيب الذي حضر أمس وحضور الذي غاب ، فيدري كلّ واحد منهم ما حضر ، ويفوته ما غاب عنه ، فمضى الصحابة رضياللهعنهم على ما ذكرنا ، ثم خلف بعدهم التابعون الآخرون عنهم وكل طبقة من التابعين في البلاد التي تقدّم ذكرها ، فإنما تفقهوا مع من كان عندهم من الصحابة ، فكانوا لا يتعدّون فتاويهم إلّا اليسير مما بلغهم عن غير من كان في بلادهم من الصحابة ، رضياللهعنهم ، كاتباع أهل المدينة في الأكثر فتاوي عبد الله بن عمر رضياللهعنهما ، واتباع أهل الكوفة في الأكثر فتاوي عبد الله بن مسعود رضياللهعنه ، واتباع أهل مكة في الأكثر فتاوي عبد الله بن عباس رضياللهعنهما ، واتباع أهل مصر في الأكثر فتاوي عبد الله بن عمرو بن العاص رضياللهعنهما ، ثم أتى من بعد التابعين رضياللهعنهم فقهاء الأمصار ، كأبي حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة ، وابن جريج بمكة ، ومالك وابن الماجشون بالمدينة ، وعثمان البتيّ وسوار بالبصرة ، والأوزاعيّ بالشام ، والليث بن سعد بمصر. فجروا على تلك الطريق من أخذ كل واحد منهم عن التابعين من أهل بلده ، فيما كان عندهم واجتهادهم فيما لم يجدوا عندهم ، وهو موجود عند غيرهم.
وأما مذاهب أهل مصر : فقال أبو سعيد بن يونس : إن عبيد بن مخمر المغافريّ يكنى أبا أمية ، رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، شهد فتح مصر ، روى عنه أبو قبيل. يقال أنه كان أوّل من أقرأ القرآن بمصر. وذكر أبو عمرو الكنديّ أن أبا ميسرة عبد الرحمن بن ميسرة مولى الملامس الحضرميّ كان فقيها عفيفا شريفا ، ولد سنة عشر ومائة ، وكان أوّل الناس إقراء بمصر بحرف نافع قبل الخمسين ومائة ، وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة ، وذكر عن أبي قبيل وغيره أن يزيد بن أبي حبيب أوّل من نشر العلم بمصر في الحلال والحرام ، وفي رواية ابن يونس ومسائل الفقه ، وكانوا قبل ذلك إنما يتحدّثون في الفتن والترغيب. وعن عون بن سليمان الحضرميّ قال : كان عمر بن عبد العزيز قد جعل الفتيا بمصر إلى ثلاثة رجال ، رجلان من الموالي ورجل من العرب ، فأما العربيّ فجعفر بن ربيعة ، وأما الموليان فيزيد بن