أبي حبيب ، وعبد الله بن أبي جعفر. فكان العرب انكروا ذلك ، فقال عمر بن عبد العزيز : ما ذنبي إن كانت الموالي تسمو بأنفسها صعدا وأنتم لا تسمون. وعن ابن أبي قديد كانت البيعة إذا جاءت للخليفة أوّل من يبايع عبد الله بن أبي جعفر ويزيد بن أبي حبيب ثم الناس بعد. وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر عن حيوة بن شريح قال : دخلت على حسين بن شفي بن مانع الأصبحيّ وهو يقول : فعل الله بفلان. فقلت : ما له؟ فقال : عمد إلى كتابين كان شفي سمعهما من عبد الله بن عمرو بن العاص رضياللهعنهما ، أحدهما قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كذا ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم كذا ، والآخر ما يكون من الأحداث إلى يوم القيامة ، فأخذهما فرمى بهما بين الخولة والرباب. قال أبو سعيد بن يونس : يعني بقوله الخولة والرباب مركبين كبيرين من سفن الجسر كانا يكونان عند رأس الجسر مما يلي الفسطاط يجوز من تحتهما لكبرهما المراكب. وذكر أبو عمرو الكنديّ أن أبا سعيد عثمان بن عتيق مولى غافق ، أوّل من رحل من أهل مصر إلى العراق في طلب الحديث ، توفي سنة أربع وثمانين ومائة انتهى. وكان حال أهل الإسلام من أهل مصر وغيرها من الأمصار في أحكام الشريعة على ما تقدّم ذكره ، ثم كثر الترحل إلى الآفاق وتداخل الناس والتقوا وانتدب أقوام لجمع الحديث النبويّ وتقييده ، فكان أوّل من دوّن العلم محمد بن شهاب الزهريّ ، وكان أوّل من صنف وبوّب سعيد بن عروبة والربيع بن صبيح بالبصرة ، ومعمر بن راشد باليمن ، وابن جريج بمكة ، ثم سفيات الثوريّ بالكوفة ، وحماد بن سلمة بالبصرة ، والوليد بن مسلم بالشام ، وجرير بن عبد الحميد بالريّ ، وعبد الله بن المبارك بمرو وخراسان ، وهشيم بن بشير بواسط ، وتفرّد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب وجودة التصنيف وحسن التأليف ، فوصلت أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم من البلاد البعيدة إلى من لم تكن عنده ، وقامت الحجة على من بلغه شيء منها ، وجمعت الأحاديث المبينة لصحة أحد التأويلات المتأوّلة من الأحاديث ، وعرف الصحيح من السقيم ، وزيف الاجتهاد المؤدّي إلى خلاف كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإلى ترك عمله ، وسقط العذر عمن خالف ما بلغه من السنن ببلوغه إليه ، وقيام الحجة عليه ، وعلى هذا الطريق كان الصحابة رضياللهعنهم وكثير من التابعين يرحلون في طلب الحديث الواحدة الأيام الكثيرة ، يعرف ذلك من نظر في كتب الحديث ، وعرف سير الصحابة والتابعين. فلما قام هارون الرشيد في الخلافة ، وولى القضاء أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم أحد أصحاب أبي حنيفة رحمهالله تعالى بعد سنة سبعين ومائة ، فلم يقلد ببلاد العراق وخراسان والشام ومصر إلّا من أشار به القاضي أبو يوسف رحمهالله ، واعتنى به ، وكذلك لما قام بالأندلس الحكم المرتضى بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بعد أبيه ، وتلقب بالمنتصر في سنة ثمانين ومائة ، اختص بيحيى بن يحيى بن كثير الأندلسيّ ، وكان قد حج وسمع الموطأ من مالك إلّا أبوابا ، وحمل عن ابن وهب وعن ابن القاسم وغيره علما كثيرا