سنة تسعين ، خرج إلى الإسكندرية في سنة إحدى وتسعين ، فتعاقدت السراة من الخوارج بالإسكندرية على الفتك به ، وكانت عدّتهم نحوا من مائة ، فعقدوا لرئيسهم المهاجر بن أبي المثنى التجيبيّ ، أحد بني (١) فهم عليهم عند منارة الإسكندرية وبالقرب منهم رجل يكنى أبا سليمان ، فبلغ قرّة ما عزموا عليه ، فأتى لهم قبل أن يتفرّقوا فأمر بحبسهم في أصل منارة الإسكندرية ، وأحضر قرّة وجوه الجند فسألهم فأقرّوا فقتلهم ، ومضى رجل ممن كان يرى رأيهم إلى أبي سليمان فقتله ، فكان يزيد بن أبي حبيب إذا أراد أن يتكلم بشيء فيه تقية من السلطان تلفت وقال : احذروا أبا سليمان ، ثم قال الناس كلهم من ذلك اليوم أبو سليمان. فلما قام عبد الله بن يحيى الملقب بطالب الحق في الحجاز على مروان بن محمد الجعديّ ، قدم إلى مصر داعيته ودعا الناس فبايع له ناس من تجيب وغيرهم ، فبلغ ذلك حسان بن عتاهية صاحب الشرطة فاستخرجهم ، فقتلهم حوثرة بن سهيل الباهليّ أمير مصر من قبل مروان بن محمد ، فلما قتل مروان وانقضت أيام بني أمية ببني العباس في سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، خمدت جمرة أصحاب المذهب المروانيّ وهم الذين كانوا يسبون عليّ بن أبي طالب ويتبرّؤون منه ، وصاروا منذ ظهر بنو العباس يخافون القتل ويخشون أن يطلع عليهم أحد إلّا طائفة كانت بناحية الواحات وغيرها ، فإنهم أقاموا على مذهب المروانية دهرا حتى فنوا ، ولم يبق لهم الآن بديار مصر وجود البتة.
فلما كان في إمارة حميد بن قحطبة على مصر من قبل أبي جعفر المنصور ، قدم إلى مصر عليّ بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب داعية لأبيه وعمه ، فذكر ذلك لحميد فقال : هذا كذب ، ودسّ إليه أن تغيّب ، ثم بعث إليه من الغد فلم يجده ، فكتب بذلك إلى أبي جعفر المنصور فعزل حميدا وسخط عليه في ذي القعدة سنة أربع وأربعين ومائة ، وولى يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة ، فظهرت دعوة بني حسن بن عليّ بمصر ، وتكلم الناس بها وبايع كثير منهم لعليّ بن محمد بن عبد الله ، وهو أوّل علويّ قدم مصر ، وقام بأمر دعوته خالد بن سعيد بن ربيعة بن حبيش الصدفيّ ، وكان جدّه ربيعة بن حبيش من خاصة عليّ بن أبي طالب وشيعته ، وحضر الدار في قتل عثمان رضياللهعنه ، فاستشار خالد أصحابه الذين بايعوا له ، فأشار عليهم بعضهم أن يبيت يزيد بن حاتم في العسكر ، وكان الأمراء قد صاروا منذ قدمت عساكر بني العباس ينزلون في العسكر الذي بني خارج الفسطاط من شماليه ، كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ، وأشار عليه آخرون أن لا يحوز بيت المال ، وأن يكون خروجهم في الجامع ، فكره خالد أن يبيت يزيد بن حاتم ، وخشي على اليمانية ، وخرج منهم رجل قد شهد أمرهم حتى أتى إلى عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج وهو يومئذ على الفسطاط ، فخبّره أنهم
__________________
(١) أحد بني ... «لم يقل بني من».