وفصل اللوح الأخضر أجزاء وجدّد غيره وأذهب وكتب عليه اسم السلطان الملك الظاهر ، وجليت العمد كلها وبيض الجامع بأسره ، وذلك في شهر رجب سنة ست وستين وستمائة ، وصلّى فيه شهر رمضان بعد فراغه ، ولم تتعطل الصلاة فيه لأجل العمارة.
ولما كان في شهور سنة سبع وثمانين وستمائة ، شكا قاضي القضاة تقيّ الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الوهاب ابن بنت الأعز للسلطان الملك المنصور قلاون ، سوء حال جامع عمرو بمصر ، وسوء حال الجامع الأزهر بالقاهرة ، وأن الأحباس على أسوأ الأحوال ، وأن مجد الدين بن الحباب أخرب هذه الجهة لما كان يتحدّث فيها ، وتقرّب بجزيرة الفيل الوقف الصلاحيّ على مدرسة الشافعية إلى الأمير علم الدين الشجاعيّ ، وذكر له بأن في أطيانها زيادة ، فقاسوا ما تجدّد بها من الرمال وجعلوه للوقف ، وأقطعوا الأطيان القديمة الجارية في الوقف ، وتقرّب أيضا إليه بأن في الأحباس زيادة ، من جملتها بالأعمال الغربية ما مبلغه في السنة ثلاثون ألف درهم ، وأن ذلك لجهة عمارة الجامعين ، وسأل السلطان في إعادة ذلك وإبطال ما أقطع منه ، فلم يجب إلى ذلك ، وأمر الأمير حسام الدين طرنطاي بعمارة الجامع الأزهر ، والأمير عز الدين الأفرم بعمارة جامع عمرو ، فحضر الأفرم إلى الجامع بمصر ورسم على مباشري الأحباس ، وكشف المساجد لغرض كان في نفسه ، وبيض الجامع وجرّد نصف العمد التي فيه ، فصار العمود نصفه الأسفل أبيض وباقيه بحاله ، ودهن واجهة غرفة الساعات بالسيلقون ، وأجرى الماء من البئر التي بزقاق الأقفال إلى فسقية الجامع ، ورمى ما كان بالزيادات من الأتربة ، وبطر العوام به فيما فعله بالجامع ، فصاروا يقولون نقل الديماس من البحر إلى الجامع ، لكونه دهن الغرفة بالسيلقون ، وألبس العواميد للشيخ العريان ، لكونه جرّد نصفها التحتانيّ ، فصار أبيض الأسفل أسمر الأعلى ، كما كان الشيخ العريان ، فإن نصفه الأسفل كان مستورا بمئزر أبيض ، وأعلاه عريان ، ولم يفعل بالجامع سوى ما ذكر.
ولما حدثت الزلزلة في سنة اثنتين وسبعمائة ، تشعث الجامع ، فاتفق الأمير أن بيبرس الجاشنكير ، وهو يومئذ أستادار الملك الناصر محمد بن قلاون ، والأمير سلار ، وهو نائب السلطنة ، وإليهما تدبير الدولة ، على عمارة الجامعين بمصر والقاهرة ، فتولى الأمير ركن الدين بيبرس عمارة الجامع الحاكميّ بالقاهرة ، وتولى الأمير سلار عمارة جامع عمرو بمصر ، فاعتمد سلار على كاتبه بدر الدين بن الخطاب ، فهدم الحدّ البحريّ من سلّم السطح إلى باب الزيادة البحرية والشرقية ، وأعاده على ما كان عليه ، وعمل بابين جديدين للزيادة البحرية والغربية ، وأضاف إلى كلّ عمود من الصف الأخير المقابل للجدار الذي هدمه عمودا آخر تقوية له ، وجرّد عمد الجامع كلها وبيض الجامع بأسره ، وزاد في سقف الزيادة الغربية رواقين ، وبلط سفل ما أسقف منها ، وخرّب بظاهر مصر وبالقرافتين عدّة مساجد وأخذ عمدها ليرخم بها صحن الجامع ، وقلع من رخام الجامع الذي كان تحت الحصر كثيرا