من الألواح الطوال ، ورص الجميع عند باب الجامع المعروف بباب الشراربيين ، فنقل من هناك إلى حيث شاء ، ولم يعمل منه في صحن الجامع شيء البتة ، وكان فيما نقل من ألواح الرخام ما طوله أربعة أذرع في عرض ذراع وسدس ، ذهب بجميع ذلك. ولما ولي علاء الدين بن مروانة نيابة دار العدل ، قسم جامعي مصر والقاهرة ، فجعل جامع القاهرة مع نبيه الدين بن السعرتيّ ، وجامع عمرو مع بهاء الدين بن السكريّ ، فسقفت الزيادة البحرية الشرقية ، وكانت قد جعلت حاصلا للحصر ، وجعل لها دار بزين بين البابين يمنع الجانبين من المارّ ، من باب الجامع إلى باب الزيادة المسلوك منه إلى سوق النحاسين ، وبلط أرضها ، ورقع بعض رخام صحن الجامع ، وبلط المجازات ، وعمل عضائد أعتاب تحوز الصحن عن مواضع الصلاة. ولما كان في شهور سنة ست وتسعين وستمائة ، اشترى الصاحب تاج الدين دارا بسوق الأكفانيين وهدمها ، وجعل مكانها سقاية كبيرة ، ورفعها إلى محاذاة سطح الجامع ، وجعل لها ممشى يتوصل إليها من سطح الجامع ، وعمل في أعلاها أربعة بيوت يرتفق بهم في الخلاء ، ومكانا برسم أزيار الماء العذب ، وهدم سقاية الغرفة التي تحت المئذنة المعروفة بالمنظرة ، وبناها برجا كبيرا من الأرض إلى العلوّ ، حيث كان أوّلا ، وجعل بأعلى هذا البرج بيتا مرتفقا يختص بالغرفة المذكورة ، كما كان أوّلا ، وبيتا ثانيا من خارج الغرفة يرتفق به من هو خارج الغرفة ممن يقرب منها. وعمر القاضي صدر الدين أبو عبد الله محمد بن البارنباريّ ، سقاية في ركن دار عمرو البحريّ الغربيّ من داره الصغرى ، بعد ما كانت قد تهدّمت ، فأعادها كأحسن ما كانت ، ثم إن الجامع تشعث ومالت قواصره ولم يبق إلا أن يسقط ، وأهل الدولة بعد موت الملك الظاهر برقوقا في شغل من اللهو عن عمل ذلك ، فانتدب الرئيس برهان الدين إبراهيم بن عمر بن عليّ المحليّ رئيس التجار يومئذ بديار مصر ، لعمارة الجامع بنفسه وذويه ، وهدم صدر الجامع بأسره فيما بين المحراب الكبير إلى الصحن طولا وعرضا وأزال اللوح الأخضر وأعاد البناء كما كان أوّلا ، وجدّد لوحا أخضر بدل الأوّل ونصبه كما كان ، وهو الموجود الآن ، وجرّد العمد كلها ، وتتبع جدار الجامع فرمّ شعثها كله ، وأصلح من رخام الصحن ما كان قد فسد ، ومن السقوف ما كان قد وهى ، وبيض الجامع كله ، فجاء كما كان وعاد جديدا بعد ما كاد أن يسقط ، ولا أقام الله عزوجل هذا الرجل مع ما عرف من شحه وكثرة ضنته بالمال ، حتى عمره. فشكر الله سعيه وبيض محياه ، وكان انتهاء هذا العمل في سنة أربع وثمانمائة ، ولم يتعطل منه صلاة جمعة ولا جماعة في مدّة عمارته.
قال ابن المتوج إن ذرع هذا الجامع اثنان وأربعون ألف ذراع بذراع البز المصريّ القديم ، وهو ذراع الحصر المستمرّ إلى الآن ، فمن ذلك مقدّمة ثلاثة عشر ألف ذراع وأربعمائة وخمسة وعشرون ذراعا ، ومؤخره مثل ذلك ، وصحنه سبعة آلاف وخمسمائة ذراع ، وكلّ من جانبيه الشرقيّ والغربيّ ثلاثة آلاف وثمانمائة وخمسة وعشرون ذراعا ،