عمرو بن عبيد ينتحله ، وأخذ معبد هذا الرأي عن رجل من الأساورة يقال له أبو يونس سنسويه ، ويعرف بالإسواريّ ، فلما عظمت الفتنة به عذبه الحجاج وصلبه بأمر عبد الملك بن مروان سنة ثمانين ، ولما بلغ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضياللهعنهما مقالة معبد في القدر تبرّأ من القدرية ، واقتدى بمعبد في بدعته هذه جماعة ، وأخذ السلف رحمهمالله في ذمّ القدرية ، وحذروا منهم كما هو معروف في كتب الحديث ، وكان عطاء بن يسار قاضيا يرى القدر ، وكان يأتي هو ومعبد الجهنيّ إلى الحسن البصريّ فيقولان له : إنّ هؤلاء يسفكون الدماء ويقولون : إنما تجري أعمالنا على قدر الله ، فقال : كذب أعداء الله ، فطعن عليه بهذا ، ومثله. وحدث أيضا في زمن الصحابة رضياللهعنهم مذهب الخوارج ، وصرّحوا بالتكفير بالذنب والخروج على الإمام وقتاله ، فناظرهم عبد الله بن عباس رضياللهعنهما فلم يرجعوا إلى الحق ، وقاتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه ، وقتل منهم جماعة كما هو معروف في كتب الأخبار ، ودخل في دعوة الخوارج خلق كثير ، ورمى جماعة من أئمة الإسلام بأنهم يذهبون إلى مذهبهم ، وعدّ منهم غير واحد من رواة الحديث كما هو معروف عند أهله ، وحدث أيضا في زمن الصحابة رضياللهعنهم مذهب التشيع لعليّ بن أبي طالب رضياللهعنه ، والغلوّ فيه ، فلما بلغه ذلك أنكره وحرّق بالنار جماعة ممن غلا فيه وأنشد :
لمّا رأيت الأمر أمرا منكرا |
|
اجّجت ناري ودعوت قنبرا |
وقام في زمنه رضياللهعنه عبد الله بن وهب بن سبأ ، المعروف بابن السوداء السبأي ، وأحدث القول بوصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعليّ بالإمامة من بعده ، فهو وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخليفته على أمّته من بعده بالنص ، وأحدث القول برجعة عليّ بعد موته إلى الدنيا ، وبرجعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيضا ، وزعم أنّ عليا لم يقتل ، وأنه حيّ وأن فيه الجزء الإلهيّ ، وأنه هو الذي يجيء في السحاب ، وأن الرعد صوته والبرق سوطه ، وأنه لا بدّ أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلا كما ملئت جورا. ومن ابن سبأ هذا تشعبت أصناف الغلاة من الرافضة ، وصاروا يقولون بالوقف ، يعنون أن الإمامة موقوفة على أناس معينين ، كقول الإمامية بأنها في الأئمة الاثني عشر ، وقول الإسماعيلية بأنها في ولد إسماعيل بن جعفر الصادق ، وعنه أيضا أخذوا القول بفيئة الإمام ، والقول برجعته بعد الموت إلى الدنيا ، كما تعتقده الإمامية إلى اليوم في صاحب السرداب ، وهو القول بتناسخ الأرواح ، وعنه أخذوا أيضا القول بأن الجزء الإلهيّ يحلّ في الأئمة بعد عليّ بن أبي طالب ، وأنهم بذلك استحقوا الإمامة بطريق الوجوب ، كما استحق آدم عليهالسلام سجود الملائكة ، وعلى هذا الرأي كان اعتقاد دعاة الخلفاء الفاطميين ببلاد مصر ، وابن سبأ هذا هو الذي أثار فتنة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضياللهعنه حتى قتل : كما ذكر في ترجمة ابن سبأ من كتاب التاريخ الكبير المقفى ؛ وكان له عدّة أتباع في عامّة الأمصار ، وأصحاب كثيرون في معظم الأقطار ، فكثرت لذلك الشيعة