المأمون ، رزق أبي رجب العلاء عشرة دنانير على القصص ، وهو أوّل من سلّم في الجامع تسليمتين بكتاب ورد من المأمون يأمر فيه بذلك ، وصلّى خلفه محمد بن إدريس الشافعيّ حين قدم إلى مصر ، فقال : هكذا تكون الصلاة ، ما صليت خلف أحد أتم صلاة من أبي رجب ولا أحسن.
ولما ولي القصص حسن بن الربيع بن سليمان ، من قبل عنبسة بن إسحاق أمير مصر ، من قبل المتوكل في سنة أربعين ومائتين ، أمر أن تترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ، فتركها الناس. وأمر أن تصلّى التراويح خمس تراويح ، وكانت تصلّى قبل ذلك ست تراويح ، وزاد في قراءة المصحف يوما ، فكان يقرأ يوم الاثنين ويوم الخميس ويوم الجمعة.
ولما ولي حمزة بن أيوب بن إبراهيم الهاشميّ القصص بكتاب من المكتفي ، في سنة اثنتين وتسعين ومائتين ، صلّى في مؤخر المسجد حين نكس ، وأمر أن يحمل إليه المصحف ليقرأ فيه ، فقيل له انه لم يحمل المصحف إلى أحد قبلك ، فلو قمت وقرأت فيه في مكانه.
فقال : لا أفعل ، ولكن ائتوني به فإن القرآن علينا أنزل ، وإلينا أتى. فأتي به ، فقرأ فيه في المؤخر وهو أوّل من قرأ في المصحف في المؤخر ، ولم يقرأ في المصحف بعد ذلك في المؤخر إلى أن تولى أبو بكر محمد بن الحسن السوسيّ الصلاة والقصص ، في اليوم العشرين من شعبان ، سنة ثلاث وأربعمائة ، فنصب المصحف في مؤخر الجامع حيال الفوّارة وقرأ فيه أيام نكس الجامع ، فاستمرّ الأمر على ذلك إلى الآن.
ولما تولى القصص أبو بكر محمد بن عبد الله بن مسلم الملطيّ ، في سنة إحدى وثلاثمائة عزم على القراءة في المصحف في كلّ يوم ، فتكلم عليّ بن قديد في ذلك ومنع منه وقال : أعزم على أن يخلق المصحف ويقطعه ، أيرى عبد العزيز بن مروان حيا فيكتب له مثله ، فرجع إلى القراءة ثلاثة أيام.
وكان قد حضر إلى مصر رجل من أهل العراق وأحضر مصحفا ذكر أنه مصحف عثمان بن عفان رضياللهعنه ، وأنه الذي كان بين يديه يوم الدار ، وكان فيه أثر الدم ، وذكر أنه استخرج من خزائن المقتدر ، ودفع المصحف إلى عبد الله بن شعيب المعروف بابن بنت وليد القاضي ، فأخذه أبو بكر الخازن وجعله في الجامع ، وشهره وجعل عليه خشبا منقوشا ، وكان الإمام يقرأ فيه يوما ، وفي مصحف أسماء يوما ، ولم يزال على ذلك إلى أن رفع هذا المصحف واقتصر على القراءة في مصحف أسماء ، وذلك في أيام العزيز بالله ، لخمس خلون من المحرّم سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وقد أنكر قوم أن يكون هذا المصحف مصحف عثمان رضياللهعنه ، لأن نقله لم يصح ، ولم يثبت بحكاية رجل واحد. ورأيت أنا هذا المصحف وعلى ظهر مما نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، هذا المصحف الجامع لكتاب الله جل ثناؤه وتقدّست أسسماؤه ، حمله المبارك مسعود بن سعد