الهيتيّ لجماعة المسلمين القرّاء للقرآن التالين له ، المتقرّبين إلى الله جلّ ذكره بقراءته ، والمتعلمين له ، ليكون محفوظا أبدا ما بقي ورقه ، ولم يذهب اسمه ابتغاء ثواب الله عزوجل ، ورجاء غفرانه ، وجعله عدّة ليوم فقره وفاقته وحاجته إليه ، أنا له الله ذلك برأفته ، وجعل ثوابه بينه وبين جماعة من نظر فيه ، وقد درس ما بعد هذا الكلام من ظهر المصحف ، والمندرس يشبه أن يكون : وتبصر في ورقه ، وقصد بابداعه فسطاط مصر في المسجد الجامع ، جامع المسلمين العتيق ، ليحفظ حفظ مثله مع سائر مصاحف المسلمين ، فرحم الله من حفظه ومن قرأ فيه ومن عنى به ، وكان ذلك في يوم الثلاثاء مستهل ذي القعدة سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وصلّى الله على محمد سيد المرسلين وعلى آله وسلّم تسليما كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال ابن المتوّج : ودليل بطلان ما قاله هذا المعترض ، ظهور التعصب على عثمان رضياللهعنه من تجيب وخلفائهم ، أن الناس قد جرّبوا هذا المصحف ، وهو الذي على الكرسيّ الغربيّ من مصحف أسماء ، أنه ما فتح قط إلّا وحدث حادث في الوجود لتحقيق ما حدث أوّلا. والله أعلم.
قال القضاعيّ : ذكر المواضع المعروفة بالبركة من الجامع يستحبّ الصلاة والدعاء عندها. منها البلاطة التي خلف الباب الأوّل في مجلس ابن عبد الحكم ، ومنها باب البرادع ، روي عن رجل من صلحاء المصريين يقال له أبو هارون الخرقيّ قال : رأيت الله عزوجل في منامي ، فقلت له يا رب أنت تراني وتسمع كلامي؟ قال : نعم. ثم قال أتريد أن أريك بابا من أبواب الجنة؟ قلت نعم. يا رب ، فأشار إلى باب أصحاب البرادع أو الباب الأقصى مما يلي رحبة حارث ، وكان أبو هارون هذا يصلي الظهر والعصر فيما بينهما.
وقال ابن المتوّج : وعند المحراب الصغير الذي في جدار الجامع الغربيّ ، ظاهر المقصورة ، فيما بين بابي الزيادة الغربية الدعاء عنده مستجاب. قال : من ذلك باب مقصورة عرفة ، ومنها عند خرزة البئر التي بالجامع ، ومنها قبال اللوح الأخضر ، ومنها زاوية فاطمة ، ويقال أنها فاطمة ابنة عفان ، لمّا وصى والدها أن تترك لله في الجامع فتركت في هذا المكان فعرف بها ، ومنها سطح الجامع والطواف به سبع مرّات ، يبدأ بالأولى من باب الخزانة الأولى التي يستقبلها الداخل من باب السطح ، وهو يتلو إلى أن يصل إلى زاوية السطح التي عند المئذنة المعروفة بعرفة ، يقف عندها ثم يدعو بما أراد ، ثم يمرّ وهو يتلو إلى أن يصل إلى الركن الشرقيّ عند المئذنة المشهورة بالكبيرة ، ثم يدعو بما أراد ويمرّ إلى الركن البحريّ الشرقيّ ، فيقف محاذيا لغرفة المؤذنين ويدعو ، ثم يمرّ وهو يتلو إلى المكان الذي ابتدأ منه. يفعل ذلك سبع مرّات ، فإنّ حاجته تقضى.
قال القضاعيّ : ولم يكن الناس يصلّون بالجامع بمصر صلاة العيد ، حتى كانت سنة