الشهيد بالكوفة ، ولم يبق له عليهالسلام غير رأسه التي بالمشهد الذي بين الكومين بمصر بطريق جامع ابن طولون وبركة الفيل ، وهو من الخطط ، يعرف بمسجد محرس الخصيّ ، ولما صلب كشفوا عورته فنسج العنكبوت فسترها. ثم إنه بعد ذلك أحرق وذرى في الريح ولم يبق منه إلّا رأسه التي بمصر ، وهو مشهد صحيح لأنه طيف بها بمصر ، ثم نصبت على المنبر بالجامع بمصر في سنة اثنتين وعشرين ومائة ، فسرقت ودفنت في هذا الموضع إلى أن ظهرت ، وبنى عليها مشهد.
وذكر ابن عبد الظاهر أن الأفضل بن أمير الجيوش لما بلغته حكاية رأس زيد أمر بكشف المسجد ، وكان وسط الأكوام ، ولم يبق من معالمه إلّا محراب ، فوجد هذا العضو الشريف. قال محمد بن منجب بن الصيرفيّ : حدّثني الشريف فخر الدين أبو الفتوح ناصر الزيديّ خطيب مصر ، وكان من جملة حضر الكشف قال : لما خرج هذا العضو رأيته ، وهو هامة وافرة ، وفي الجبهة أثر في سعة الدرهم ، فضمّخ وعطّر وحمل إلى دار حتى عمر هذا المشهد ، وكان وجد أنه يوم الأحد تاسع عشري ربيع الأوّل سنة خمس وعشرين وخمسمائة ، وكان الوصول به في يوم الأحد ، ووجدانه في يوم الأحد.
زيد بن علي : بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وكنيته أبو الحسن الإمام ، الذي تنسب إليه الزيدية إحدى طوائف الشيعة ، سكن المدينة وروى عن أبيه عليّ بن الحسين الملقب زين العابدين ، وعن أبان بن عثمان ، وعبيد الله بن أبي رافع ، وعروة بن الزبير وروى عنه محمد بن شهاب الزهريّ ، وزكريا بن أبي زائدة ، وخلق ذكره ابن حبان في الثقات. وقال : رأى جماعة من الصحابة ، وقيل لجعفر بن محمد الصادق عن الرافضة أنهم يتبرّؤن من عمك زيد. فقال : برىء الله ممن تبرّأ من عمي ، كان والله أقرأنا لكتاب الله ، وأفقهنا في دين الله ، وأوصلنا للرحم ، والله ما ترك فينا لدينا ولا لآخرة مثله.
وقال أبو إسحاق السبيعيّ : رأيت زيد بن عليّ فلم أر في أهله مثله ، ولا أعلم منه ، ولا أفضل ، وكان أفصحهم لسانا ، وأكثرهم زهدا وبيانا.
وقال الشعبيّ : والله ما ولد النساء أفضل من زيد بن عليّ ، ولا أفقه ولا أشجع ولا أزهد. وقال أبو حنيفة : شاهدت زيد بن عليّ كما شاهدت أهله ، فما رأيت في زمانه أفقه منه ، ولا أعلم ، ولا أسرع جوابا ، ولا أبين قولا لقد كان منقطع القرين. وقال الأعمش : ما كان في أهل زيد بن عليّ مثل زيد ، ولا رأيت فيهم أفضل منه ، ولا أفصح ولا أعلم ولا أشجع ، ولقد وفي له من تابعه لإقامتهم على المنهج الواضح. وسئل جعفر بن محمد الصادق عن خروجه فقال : خرج على ما خرج عليه آباؤه وكان يقال لزيد حليف القرآن ، وقال خلوت بالقرآن ثلاث عشرة سنة أقرأه وأتدبره ، فما وجدت في طلب الرزق رخصة ، وما وجدت ، ابتغوا من فضل الله إلّا العبادة والفقه.