وقال عاصم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب : لقد أصيب عندكم رجل ما كان في زمانكم مثله ، ولا أراه يكون بعده مثله ، زيد بن عليّ ، لقد رأيته وهو غلام حدث ، وإنه ليسمع الشيء من ذكر الله فيغشى عليه حتى يقول القائل ما هو بعائد إلى الدنيا. وكان نقش خاتم زيد ، اصبر تؤجر اصدق تنج ، وقرأ مرّة قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد / ٣٨] فقال : إنّ هذا لوعيد وتهديد من الله. ثم قال : اللهمّ لا تجعلنا ممن تولى عنك فاستبدلت به بدلا. وكان إذا كلمه إنسان وخاف أن يهجم على أمر يخاف منه مأثما ، قال له : يا عبد الله أمسك أمسك ، كف كف ، إليك إليك ، عليك بالنظر لنفسك. ثم يكف عنه ولا يكلمه.
وقد اختلف في سبب قيام زيد وطلبه الأمر لنفسه ، فقيل أن زيد بن عليّ ، وداود بن عليّ بن عبد الله بن عباس ، ومحمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، قدموا على خالد بن عبد الله القسريّ بالعراق فأجازهم ورجعوا إلى المدينة ، فلما ولي يوسف بن عمر العراق بعد عزل خالد ، كتب إلى هشام بن عبد الملك وذكر له أن خالد ابتاع أرضا بالمدينة من زيد بعشرة آلاف دينار ، ثم ردّ الأرض عليه. فكتب هشام إلى عامل المدينة أن يسيرهم إليه ، ففعل. فسألهم هشام عن ذلك ، فأقرّوا بالجائزة وأنكروا ما سوى ذلك ، وحلفوا فصدّقهم ، وأمرهم بالمسير إلى العراق ليقابلوا خالدا ، فساروا على كره وقابلوا خالدا فصدّقهم وعادوا نحو المدينة. فلما نزلوا القادسية راسل أهل الكوفة زيدا فعاد إليهم ، وقيل بل ادّعى خالد القسريّ أنه أودع زيدا وداود بن عليّ ونفرا من قريش مالا. فكتب يوسف بن عمر بذلك إلى الخليفة هشام بن عبد الملك ، فأحضرهم هشام من المدينة وسيرهم إلى يوسف ليجمعهم وخالدا ، فقدموا عليه ، فقال يوسف لزيد : إن خالدا زعم أنه أودع عندك مالا. فقال زيد : كيف يودعني وهو يشتم آبائي على منبره؟ فأرسل إلى خالد فأحضره في عباءة وقال له : هذا زيد قد أنكر أنّك أودعته شيئا. فنظر خالد إليه وإلى داود وقال ليوسف : أتريد أن تجمع إثمك مع إثمنا في هذا؟ كيف أودعه وأنا أشتم آباءه وأشتمه على المنبر؟ فقال زيد لخالد : ما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال : شدّد عليّ العذاب فادّعيت ذلك ، وأملت أن يأتي الله بفرج قبل قدومك.
فرجعوا وأقام زيد وداود بالكوفة ، وقيل أن يزيد بن خالد القسريّ هو الذي ادّعى أن المال وديعة عند زيد ، فلما أمرهم هشام بالمسير إلى العراق إلى يوسف استقالوه خوفا من شرّ يوسف وظلمه. فقال : أنا أكتب إليه بالكف عنكم وألزمهم بذلك. فساروا على كره ، فجمع يوسف بينهم وبين يزيد فقال يزيد : ليس لي عندهم قليل ولا كثير. فقال له يوسف : أتهزأ بأمير المؤمنين؟ فعذبه يومئذ عذابا كاد يهلكه ، ثم أمر بالقرشيين فضربوا ، وترك زيدا. ثم اتسحلفهم وأطلقهم فلحقوا بالمدينة ، وأقام زيد بالكوفة ، وكان زيد قال لهشام لما أمره