بالمسير إلى يوسف : والله ما آمن من إن بعثتني إليه أن لا نجتمع أنا وأنت حبيبين أبدا. قال : لا بدّ من المسير إليه. فسار إليه.
وقيل كان السبب في ذلك أن زيدا كان يخاصم ابن عمه جعفر بن الحسن بن الحسين بن عليّ في وقوف عليّ رضياللهعنه ، فزيد يخاصم عن بني حسين ، وجعفر يخاصم عن بني حسن ، فكانا يبلغان كل غاية ، ويقومان فلا يعيدان مما كان بينهما ، حرفا ، فلما مات جعفر نازعه عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فتنازعا يوما بين يدي خالد بن عبد الملك بن الحارث بالمدينة ، فأغلظ عبد الله لزيد وقال : يا ابن السندية. فضحك زيد وقال : قد كان إسماعيل عليهالسلام ابن أمة ، ومع ذلك فقد صبرت أمي بعد وفاة سيدها. ولم يصبر غيرها ، يعني فاطمة بنت الحسين أمّ عبد الله ، فإنها تزوّجت بعد أبيه الحسن بن الحسن. ثم إنّ زيدا ندم واستحيى من فاطمة ، فإنها عمته ، ولم يدخل إليها زمانا. فأرسلت إليه : يا ابن أخي إني لأعلم أن أمّك عندك كأمّ عبد الله عنده ، وقالت لعبد الله : بئسما قلت لأمّ زيد ، أما والله لنعم دخيلة القوم كانت ، وذكر أن خالدا قال لهما : اغدوا علينا غدا فلست ابن عبد الملك إن لم أفصل بينكما ، فباتت المدينة تغلي كالمرجل. يقول قائل : قال زيد كذا ، ويقول قائل : قال عبد الله كذا ، فلما كان من الغد جلس خالد في المسجد واجتمع الناس ، فمن بين شامت ومهموم ، فدعا بهما خالد وهو يحبّ أن يتشاتما ، فذهب عبد الله يتكلم ، فقال زيد : لا تعجّل يا أبا محمد ، أعتق زيد كلّ ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدا. ثم أقبل إلى خالد فقال له : لقد جمعت ذرية رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر. فقال خالد : أما لهذا السفيه أحد؟ فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم فقال : يا ابن أبي تراب وابن حسين السفيه ، أما ترى ، لوال عليك حقا ولا طاعة؟ فقال زيد : اسكت أيها القحطانيّ ، فإنّا لا نجيب مثلك. قال : ولم ترغب عني؟ فو الله إني لخير منك وخير من أبيك ، وأمي خير من أمّك ، فتضاحك زيد وقال : يا معشر قريش ، هذا الدين قد ذهب أفتذهب الأحساب؟ فوا الله ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم. فقام عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال : كذبت والله أيها القحطانيّ ، فو الله لهو خير منك نفسا وأبا وأمّا ومحتدا ، وتناوله بكلام كثير وأخذ كفا من حصباء وضرب بها الأرض وقال : والله إنه ما لنا على هذا من صبر وقام.
ثم شخص زيد إلى هشام بن عبد الملك ، فجعل هشام لا يأذن له ، وهو يرفع إليه القصص ، فكلما رفع قصة يكتب هشام في أسفلها ارجع إلى منزلك. فيقول زيد : والله لا أرجع إلى خالد أبدا ، ثم إنه أذن له يوما بعد طول حبس ، فصعد زيد وكان بائنا فوقف في بعض الدرج وهو يقول : والله لا يحب الدنيا أحد إلّا ذلّ ، ثم صعد وقد جمع له هشام أهل الشام ، فسلّم ثم جلس ، فرمى عليه هشام طويلة ، فحلف لهشام على شيء. فقال هشام : لا أصدّقك. فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ الله لم يرفع أحدا عن أن يرضى بالله ، ولم يضع أحدا