بالمدينة ، فأرسل إليه ليوكل وكيلا ويرحل عنها ، فلما رأى الجدّ من يوسف في أمره سار حتى أتى القادسية ، وقيل الثعلبية ، فتبعه أهل الكوفة وقالوا له : نحن أربعون ألفا لم يتخلف عنك أحد ، نضرب عنك بأسيافنا ، وليس هاهنا من أهل الشام إلّا عدّة يسيرة وبعض قبائلنا يكفيهم بإذن الله ، وحلفوا له بالأيمان المغلظة ، فجعل يقول : إني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كفعلكم بأبي وجدّي ، فيحلفون له ، فقال له داود بن عليّ : لا يغرّك يا ابن عمي هؤلاء ، أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك ، جدّ عليّ بن أبي طالب حتى قتل ، والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه وانتزعوا رداءه وجرحوه ، أو ليس قد أخرجوا جدّك الحسين وحلفوا له ثم خذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه ، فلا ترجع معهم. فقالوا : يا زيد إنّ هذا لا يريد أن تظهر أنت ، ويزعم أنه وأهل بيته أولى بهذا الأمر منكم. فقال زيد لداود : إن عليا كان يقاتله معاوية بذهبه ، وإنّ الحسين قاتله يزيد ، والأمر مقبل عليهم. فقال له داود : إني أخاف إن رجعت معهم أن لا يكون أحد أشدّ عليك منهم ، وأنت أعلم ، ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد إلى الكوفة.
فأتاه سلمة بن كهيل فذكر له قرابته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحقه فأحسن ثم قال له : نشدتك الله كم بايعك؟ قال : أربعون ألفا. قال : فكم بايع جدّك؟ قال : ثمانون ألفا. قال : فكم حصل معه؟ قال : ثلثمائة. قال : نشدتك الله أنت خير أم جدّك؟ قال : جدّي. قال : فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال : ذلك القرن. قال : أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدّك؟ قال : قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وعنقهم. قال : أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد ، فلا آمن أن يحدث حدث فأهلك نفسي. فأذن له فخرج إلى اليمامة.
وكتب عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى زيد : أما بعد ، فإن أهل الكوفة نفج (١) العلانية حور السريرة (٢) هوج في الرد ، أجزع في اللقاء ، تقدمهم ألسنتهم ولا تتابعهم قلوبهم ، ولقد تواترت كتبهم إليّ بدعوتهم فصممت عن ندائهم ، وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأسا منهم وإطراحا لهم ، وما لهم مثل إلّا ما قال عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه : إن أهملتم خضتم ، وإن خوّرتم خرتم ، وإن اجتمع الناس ويتجهز للخروج ، وتزوّج بالكوفة امرأتين ، وكان ينتقل تارة عند هذه في بني سلمة قومها ، وتارة عند هذه في الأزد قومها ، وتارة في بني عبس ، وتارة في بني تغلب ، وغيرهم إلى أن ظهر في سنة اثنتين وعشرين ومائة ، فأمر أصحابه بالاستعداد ، وأخذ من كان يريد الوفاء بالبيعة يتجهز ، فبلغ ذلك يوسف بن عمر ، فبعث في طلب زيد فلم يوجد ، وخاف زيد أن يؤخذ ، فتعجل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة ، وعلى الكوفة يومئذ الحكم بن
__________________
(١) نفج : انتفج الرجل : افتخر بأكثر مما عنده.
(٢) حور السريرة : أي متغيري القلوب.