الصلت في ناس من أهل الشام ، ويوسف بن عمر بالحيرة.
فلما علم أصحاب زيد أن يوسف بن عمر قد بلغه الخبر وأنه يبحث عن زيد ، اجتمع إلى زيد جماعة من رؤوسهم فقالوا : رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر ، فقال زيد رحمهماالله وغفر لهما ، ما سمعت أحدا من أهل بيتي يقول فيهما إلّا خيرا ، وإنّ أشدّ ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الناس أجمعين ، فدفعونا عنه ، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا ، وقد ولّوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة. قالوا فلم يظلمك هؤلاء إذا ، كان أولئك لم يظلموا ، وإذا كان هؤلاء لم يظلموا ، فلم تدعو إلى قتالهم؟ فقال : إنّ هؤلاء ليسوا كأولئك ، هؤلاء ظالمون لي ولأنفسهم ولكم ، وإنما ندعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ، والى السنن أن تحيي ، وإلى البدع أن تطفأ ، فإن أجبتمونا سعدتم ، وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل. ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا : قد سبق الإمام ، يعنون محمدا الباقر ، وكان قد مات. وقالوا جعفر ابنه إمامنا اليوم بعد أبيه ، فسماهم زيد الرافضة ، وهم يزعمون أن المغيرة سماهم الرافضة حين فارقوه ، وكانت طائفة قد أتت جعفر بن محمد الصادق قبل قيام زيد وأخبروه ببيعته فقال : بايعوه ، لهو والله أفضلنا وسيدنا. فعادوا وكتموا ذلك ، وكان زيد قد واعد أصحابه أوّل ليلة من صفر ، فبلغ ذلك يوسف بن عمر ، فبعث إلى الحكم عامله على الكوفة يأمره بأن يجمع الناس بالمسجد الأعظم يحصرهم فيه ، فجمعهم ، وطلبوا زيدا فخرج ليلا من دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاريّ ، وكان بها ، ورفعوا النيران ونادوا يا منصور حتى طلع الفجر ، فلما أصبحوا نادى أصحاب زيد بشعارهم وثاروا ، فأغلق الحكم دروب السوق وأبواب المسجد على الناس ، وبعث إلى يوسف بن عمر وهو بالحيرة فأخبره الخبر ، فأرسل إليه خمسين فارسا ليعرفوا الخبر ، فساروا حتى عرفوا الخبر وعادوا إليه ، فسارت الحيرة بأشراف الناس ، وبعث ألفين من الفرسان وثلاثمائة رجالة معهم النشاب ، وأصبح زيد فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلا ، فقال : سبحان الله أين الناس؟ فقيل إنهم في المسجد الأعظم محصورون. فقال : والله ما هذا بعذر لمن بايعنا. وأقبل فلقيه على جبانة الصايديين خمسمائة من أهل الشام فحمل عليهم فيمن معه حتى هزمهم ، وانتهى إلى دار أنس بن عمر الأزديّ ، وكان فيمن بايعه وهو في الدار ، فنودي فلم يجب ، فناداه زيد فلم يخرج إليه. فقال زيد : ما أخلفكم قد فعلتموها ، الله حسيبكم. ثم سار ويوسف بن عمر ينظر إليه وهو في مائتي رجل ، فلو قصده زيد لقتله ، والريان يتبع آثار زيد بالكوفة في أهل الشام ، فأخذ زيد في المسير حتى دخل الكوفة ، فسار بعض أصحابه إلى الجبانة وواقعوا أهل الشام ، فأسر أهل الشام منهم رجلا ومضوا به إلى يوسف بن عمر فقتله ، فلما رأى زيد خذلان الناس إياه قال : قد فعلوها ، حسبي الله ، وسار وهو يهزم من لقيه حتى انتهى إلى باب المسجد ، فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الباب ويقولون : يا أهل المسجد