يعيبوننا ويرغبون عن مناكحتنا ، ولا نحب أن يجاورونا ما لم يدينوا بديننا. فقال لهم الوزير : قد علمتم إكرام طوطيس الملك لجدّهم ونهر اوش من بعده ، وقد علمتم بركة يوسف حتى جعلتم قبره وسط النيل فأخصب جانبا مصر بمكانه ، وأمرهم بالكف عن بني إسرائيل ، فأمسكوا إلى أن احتجب معدان وقام من بعده في الملك ابنه اكسامس الذي يسميه بعضهم كاسم ابن معدان بن الريان بن الوليد بن دومع العمليقيّ ، وهو السادس من فراعنة مصر ، وكان أوّلهم يقال له فرعان ، فصار اسما لكلّ من تجبر وعلا أمره ، وطالت أيام كاسم ومات وزير أبيه ، فأقام من بعده رجلا من بيت المملكة يقال له ظلما بن قومس ، وكان شجاعا ساحرا كاهنا كاتبا حكيما دهيا متصرّفا في كل فنّ ، وكانت نفسه تنازعه الملك ، ويقال أنه من ولد أشمون الملك ، وقيل من ولد صا. فأحبه الناس ، وعمر الخراب وبني مدنا من الجانبين ، ورأى في نجومه أنّه سيكون حدث وشدّة ، وسكا القبط إليه من الإسرائيليين فقال : هم عبيدكم. فكان القبطيّ إذا أراد حاجة سخّر الإسرائيليّ وضربه فلا يغير عليه أحد ولا ينكر عليه ذلك. فإن ضرب الإسرائيليّ أحدا من القبط قتل البتة ، وكذلك كانت تفعل نساء القبط بالنساء الإسرائيليات ، فكانت أوّل شدّة وذلّ أصاب بني إسرائيل وكثر ظلمهم وأذاهم من القبط ، واستبدّ الوزير ظلما بأمر البلد كما كان العزيز مع نهراوش.
وتوفي اكسامس الملك ، فأنّهم ظلمان بأنه سمّه ، تركب في سلاحه وأقام لاطس الملك مكان أبيه ، وكان ابنه جريئا معجبا ، فصرف ظلما بن قومس عما كان عليه من خلافته ، واستخلف رجلا يقال له لاهوق من ولد صا ، وأنفذ ظلما عاملا على الصعيد وسير معه جماعة من الإسرائيليين ، وزاد تجبره وعتوّه ، وأمر الناس جميعا أن يقوموا على أرجلهم في مجلسه ، ومدّ يده إلى الأموال ومنع الناس من فضول ما بأيديهم ، وقصرهم على القوت ، وابتز كثيرا من النساء وفعل أكثر مما فعله ملك تقدّمه ، واستعبد بني إسرائيل فأبغضه الخاص والعام ، وكان ظلما لما صرف عن الوزارة وخرج إلى الصعيد ، أراد إزالة الملك والخروج عن طاعته ، فجبى المال وامتنع من حمله ، وأخذ المعادن لنفسه وهمّ أن يقيم ملكا من ولد قبطرين ويدعو الناس إلى طاعته ، ثم انصرف عن ذلك ودعا لنفسه ، وكاتب الوجوه والأعيان ، فافترق الناس وتطاول كل واحد من أبناء الملوك إلى الملك وطمع فيه ، ويقال أنّ روحانيا ظهر لظلما وقال له : إن أطعتني قلدتك مصر زمانا طويلا ، فأجابه وقرّب إليه أشياء منها غلام من بني إسرائيل ، فصار عونا له ، وبلغ الملك خبر خروج ظلما عن طاعته ، فوجّه إليه قائدا قلده مكانه وأمره أن يقبض على ظلما. ويبعث به إليه موثقا ، فسار إليه وخرج ظلما للقائه وحاربه فظفر به واستولى على ما معه ، فجهز إليه الملك قائدا آخر فهزمه وسار في إثره وقد كثف جمعه ، فبرز إليه الملك واحتربا ، فكانت لظلما على الملك ، فقتله واستولى على مدينة منف ونزل قصر المملكة.