وهذا هو فرعون موسى عليهالسلام ، وبعضهم يسميه الوليد بن مصعب ، وقيل هو من العمالقة وهو سابع الفراعنة. ويقال أنه كان قصيرا طويل اللحية أشهل العينين صغير العين اليسرى ، في جبينه شامة ، وكان أعرج ، وقيل أنه كان يكنّى بأبي مرّة ، وأن اسمه الوليد بن مصعب ، وأنه أوّل من خضب بالسواد لما شاب ، دله عليه إبليس. وقيل أنه كان من القبط ، وقيل أنه دخل منف على أتان يحمل النطرون ليبيعه ، وكان الناس قد اضطربوا في تولية الملك ، فحكّموه ورضوا بتولية من يوليه عليهم ، وذلك أنهم خرجوا إلى ظاهر مدينة منف ينتظرون أوّل من يظهر عليهم ليحكّموه ، فكان هو أوّل من أقبل بحماره ، فلما حكّموه ورضوا بحكمه أقام نفسه ملكا عليهم ، وانكر قوم هذا وقالوا : كان القوم أدهى من أن يقلدوا ملكهم من هذه سبيله فلمّا جلس في الملك اختلف الناس عليه فبذل لهم الأموال ، وقتل من خالفه بمن أطاعه حتى اعتدل أمره ، ورتب المراتب وشيد الأعمال وبنى المدن وخندق الخنادق وبنى بناحية العريش حصنا ، وكذلك على جميع حدود مصر ، واستخلف هامان ، وكان يقرب منه في نسبه ، وأثار الكنوز وصرفها في بناء المدائن والعمارات ، وحفر خليج سردوس وغيره ، وبلغ الخراج بمصر في زمنه سبعة وتسعين ألف ألف دينار بالدينار الفرعونيّ ، وهو ثلاثة مثاقيل.
وفرعون هو أوّل من عرّف العرفاء على الناس ، وكان ممن صحبه من بني إسرائيل رجل يقال له أمري ، وهو الذي يقال له بالعبرانية عمرام ، وبالعربية عمران بن قاهث بن لاوي ، وكان قدم مصر مع يعقوب عليهالسلام فجعله حرسا لقصره يتولى حفظه ، وعنده مفاتيحه وأغلاقه بالليل ، وكان فرعون قد رأى في كهانته ونجومه أنه يجري هلاكه على يد مولود من الإسرائيليين ، فمنعهم من المناكحة ثلاث سنين التي رأى أن ذلك المولود يولد فيها ، فأتت امرأة أمري إليه في بعض الليالي بشيء قد أصلحته له فواقعها ، فاشتملت منه على هارون ، وولدته لثلاث وسبعين من عمره ، في سنة سبع وعشرين ومائة لقدوم يعقوب إلى مصر ، ثم أتته مرّة أخرى فحملت بموسى لثمانين سنة من عمره ، ورأى فرعون في نجومه أنه قد حمل بذلك المولود ، فأمر بذبح الذكران من بني إسرائيل ، وتقدّم إلى القوابل بذلك ، فولد موسى عليهالسلام في سنة ثلاثين ومائة لقدوم يعقوب إلى مصر ، وفي سنة أربع وعشرين وأربعمائة لولادة إبراهيم الخليل عليه السلام ، ولمضيّ ألف وخمسمائة وست سنين من الطوفان ، وكان من أمره ما قصه الله سبحانه من قذف أمّه له في التابوت ، فألقاه النيل إلى تحت قصر الملك ، وقد أرصدت أمّه أخته على بعد لتنظر من يلتقطه ، فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته واستخرجته من التابوت فرحمته وقالت : هذا من العبرانيين من لنا بظئر ترضعه؟ فقالت لها أخته أنا آتيك بها ، وجاءت بأمّه فاسترضعتها له ابنة فرعون إلى أن فصل ، فأتت به إلى ابنة فرعون وسمته موسى وتبنته ، ونشأ عندها ، وقيل بل أخذته امرأة فرعون واسترضعت أمّه ومنعت فرعون من قتله إلى أن كبر وعظم شأنه فردّ إليه