أمروا أن يكون شهر الناسخ رأس شهورهم ويكون أوّل السنة ، فقال موسى عليهالسلام للشعب : اذكروا اليوم الذي خرجتم فيه من التعبد ، فلا تأكلوا خميرا في هذا اليوم في الشهر الذي ينضر فيه الشجر. فلذلك اضطرّوا إلى استعمال سنة الشمس ليقع اليوم الرابع عشر من شهر نيس في أوان الربيع حين تورق الأشجار وتزهو الثمار ، وإلى استعمال سنة القمر ليكون جرمه فيه بدرا تام الضوء في برج الميزان ، وأحوجهم ذلك إلى إلحاق الأيام التي يتقدّم بها عن الوقت المطلوب بالشهور إذا استوفيت أيام شهر واحد ، فألحقوها بها شهرا تاما سمّوه آذار الأوّل ، وسموا آذار الأصل آذار الثاني ، لأنه ردف سميا له وتلاه ، وسموا السنة الكبسة عبورا ، اشتقاقا من معبار ، وهي المرأة الحبلى بالعبرانية ، لأنهم شبهوا دخول الشهر الزائد في السنة بحمل المرأة ما ليس من جملتها ، ولهم في استخراج ذلك حسابات كثيرة مذكورة في الأزباج.
وهم في عمل الأشهر مفترقون فرقتين ، إحداهما الربانية : واستعمالهم إيّاها على وجه الحساب بمسير الشمس والقمر الوسط ، سواء رؤي الهلال أو لم ير ، فان الشهر عندهم هو مدّة مفروضة تمضي من لدن الاجتماع الكائن بين الشمس والقمر في كل شهر ، وذلك أنهم كانوا وقت عودهم من الجالية ببابل إلى بيت المقدس ينصبون على رؤس الجبال دبادب ، ويقيمون رقباء للفحص عن الهلال ، وألزموهم بإيقاد النار وتدخين دخان يكون علامة لحصول الرؤية ، وكانت بينهم وبين السامرة العداوة المعروفة ، فذهبت السامرة ورفعوا الدخان فوق الجبل قبل الرؤية بيوم ، ووالوا بين ذلك شهورا ، اتفق في أوائلها أن السماء كانت متغيمة ، حتى فطن لذلك من في بيت المقدس ، ورأوا الهلال غداة اليوم الرابع أو الثالث من الشهر مرتفعا عن الأفق من جهة المشرق ، فعرفوا أن السامرة فتنتهم ، فالتجأوا إلى أصحاب التعاليم في ذلك الزمان ليأمنوا بما يتلقونه من حسابهم مكايد الأعداء ، واعتلوا لجواز العمل بالحساب ونيابته عن العمل بالرؤية بعلل ذكروها ، فعمل أصحاب الحساب لهم الأدوار ، وعلّموهم استخراج الاجتماعات ورؤية الهلال ، وأنكر بعض الربانية حديث القرباء ورفعهم الدخان ، وزعموا أن سبب استخراج هذا الحساب هو أن علماءهم علموا أن آخر أمرهم إلى الشتات ، فخافوا إذا تفرّقوا في الأقطار وعوّلوا على الرؤية أن تختلف عليهم في البلدان المختلفة فيتشاجروا ، فلذلك استخرجوا هذه الحسبانات واعتنى بها اليعازر بن فروح ، وأمروهم بالتزامها والرجوع إليها حيث كانوا.
والفرقة الثانية هم الميلادية الذين يعملون مبادي الشهور من الاجتماع ، ويسمّون القرّاء والأسمعية ، لأنهم يراعون العمل بالنصوص دون الالتفات إلى النظر والقياس ، ولم يزالوا على ذلك إلى أن قدم عاتان رأس الجالوت من بلاد المشرق في نحو الأربعين ومائة من الهجرة إلى دار السلام بالعراق ، فاستعمل الشهور برؤية الأهلة على مثل ما شرع في الإسلام ، ولم يبال أي أيّ يوم وقع من الأسبوع ، وترك حساب الربانيين ، وكبس الشهور بأن