نظر كل سنة إلى زرع الشعير بنواحي العراق والشام فيما بين أوّل شهر نيسن إلى أن يمضي منه أربعة عشر يوما ، فإن وجد باكورة تصلح للفريك والحصاد ترك السنة بسيطة ، وإن وجدها لم تصلح لذلك كبسها حينئذ ، وتقدّمت المعرفة بهذه الحالة ، وإنّ من أخذ برأيه يخرج لسبعة تبقى من شفط ، فينظر بالشام والبقاع المشابهة له في المزاج إلى زرع الشعير ، فإن وجد السفا وهو شوك السنبل قد طلع ، عدّ منه إلى الفاسح خمسين يوما ، وإن لم يره طالعا كبسها بشهر ، فبعضهم يردف الكبس بشفط ، فيكون في السنة شفط وشفط مرّتين ، وبعضهم يردفه بآذر فيكون آذر وآذر في السنة مرّتين ، وأكثر استعمال العانانية لشفط دون آذر ، كما أن الربانية تستعمل آذر دون غيره.
فمن يعتمد من الربانية عمل الشهور بالحساب يقول : إن شهر تشري لا يكون أوّله يوم الأحد والأربعاء ، وعدّته عندهم ثلاثون يوما أبدا ، وفيه عيد رأس السنة ، وهو عيد البشارة بعتق الأرقاء ، وهذه العيد في أوّل يوم منه ، ولهم أيضا في اليوم العاشر منه صوم الكبور ، ومعناه الاستغفار ، وعند الربانيين أن هذا الصوم لا يكون أبدا يوم الأحد ولا الثلاثاء ولا الجمعة ، وعند من يعتمد في الشهور الرؤية أن ابتداء هذا الصوم من غروب الشمس في ليلة العاشر إلى غروبها من ليلة الحادي عشر ، وذلك أربع وعشرون ساعة. والربانيون يجعلون مدّة الصوم خمسا وعشرين ساعة ، إلى أن تشتبك النجوم ، ومن لم يصم منهم هذا الصوم قتل شرعا ، وهم يعتقدون أن الله يغفر لهم فيه جميع الذنوب ما خلا الزنا بالمحصنات ، وظلم الرجل أخاه ، وجحد الربوبية ، وفيه أيضا عيد المظلة ، وهو سبعة أيام يعيدون في أولها ولا يخرجون من بيوتهم كما هو العمل يوم السبت وعدّة أيام المظلة إلى آخر اليوم الثاني والعشرين ، تمام سبعة أيام ، واليوم الثامن يقال له عيد الاعتكاف ، وهم يجلسون في هذه الأيام السبعة التي أوّلها خامس عشر تشري تحت ظلال سعف النخل الأخضر وأغصان الزيتون ونحوها من الأشجار التي لا يتناثر ورقها على الأرض ، ويرون أن ذلك تذكار منهم لإظلال الله آباءهم في التيه بالغمام ، وفيه أيضا عيد القرّائين خاصة صوم في اليوم الرابع والعشرين منه ، يعرف بصوم كدليا ، وعند الربانيين يكون هذا الصوم في ثالثه.
وشهر مر حشوان ربما كان ثلاثين يوما ، وربما كان تسعة وعشرين يوما ، وليس فيه عيد.
وكسليو ربما كان ثلاثين يوما ، وربما كان تسعة وعشرين يوما وليس فيه عيد ، إلّا أن الربانيين يسرجون على أبوابهم ليلة الخامس والعشرين منه ، وهو مدّة أيام يسمونها الحنكة ، وهو أمر محدث عندهم ، وذلك أن بعض الجبابرة تغلب على بيت المقدس ، وقتل من كان فيه من بني إسرائيل ، وافتض أبكارهم ، فوثب عليه أولاد كاهنهم وكانوا ثمانية فقتله