الخالق كفرا وعبادة المخلوق إيمانا ، وهذا أقبح القبيح ، فاستحسن الملك قسطنطين كلام اسكندروس وأمره أن يحرم آريوس فحرمه. وسأل اسكندروس الملك أن يحضر الأساقفة ، فأمر بهم فأتوه من جميع ممالكه ، واجتمعوا بعد ستة أشهر بمدينة نيقية وعدّتهم ألفان وثلاثمائة وأربعون أسقفا مختلفون في المسيح ، فمنهم من يقول الابن من الأب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة أخرى فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية عنها ، وهذه مقالة سيليوس الصعيديّ ومن تبعه ، ومنهم من قال إن مريم لم تحمل بالمسيح تسعة أشهر بل مرّ بأحشائها كمرور الماء بالميزاب ، وهذا قول إليان ومن تبعه ، ومنهم من قال المسيح بشر مخلوق وأن ابتداء الابن من مريم ، ثم إنه اصطفى فصحبته النعمة الإلهية بالمحبة والمشيئة ، ولذلك سمي ابن الله تعالى عن ذلك ، ومع ذلك فالله واحد قيوم وأنكر هؤلاء الكلمة والروح فلم يؤمنوا بهما ، وهذا قول بولص السميساطيّ بطرك أنطاكية وأصحابه ، ومنهم من قال الآلهة ثلاثة صالح وطالح وعدل بينهما ، وهذا قول مرقيون وأتباعه ، ومنهم من قال المسيح وأمه إلهان من دون الله ، وهذا قول المرائمة من فرق النصارى ، ومنهم من قال بل الله خلق الابن وهو الكلمة في الأزل كما خلق الملائكة روحا طاهرة مقدّسة بسيطة مجرّدة عن المادّة ، ثم خلق المسيح في آخر الزمان من أحشاء مريم البتول الطاهرة ، فاتحد الابن المخلوق في الأزل بإنسان المسيح فصارا واحدا ، ومنهم من قال الابن مولود من الأب قبل كل الدهور ، غير مخلوق ، وهو جوهر من جوهره ، ونور من نوره ، وأن الابن اتحد بالإنسان المأخوذ من مريم فصارا واحدا وهو المسيح ، وهذا قول الثلاثمائة وثمانية عشر ، فتحير قسطنطين في اختلافهم وكثر تعجبه من ذلك وأمر بهم فأنزلوا في أماكن وأجرى لهم الأرزاق وأمرهم أن يتناظروا حتى يتبين له صوابهم من خطأهم ، فثبت الثلاثمائة وثمانية عشر على قولهم المذكور واختلف باقيهم فمال قسطنطين إلى قول الأكثر وأعرض عما سواه وأقبل على الثلاثمائة وأمر لهم بكراسي وأجلسهم عليها ، ودفع إليهم سيفه وخاتمه ، وبسط أيديهم في جميع مملكته ، فباركوا عليه ووضعوا له كتاب قوانين الملوك وقوانين الكنيسة ، وفيه ما يتعلق بالمحاكمات والمعاملات والمناكحات ، وكتبوا بذلك إلى سائر المماليك ، وكان رئيس هذا المجمع الإسكندروس بطرك الإسكندرية ، واسطارس بطرك أنطاكية ، ومقاريوس أسقف القدس ، ووجه سلطوس بطرك رومية بقسيسين اتفقا معهم على حرمان آريوس فحرموه ونفوه ، ووضع الثلاثمائة وثمانية عشر الأمانة المشهورة عندهم ، وأوجبوا أن يكون الصوم متصلا بعيد الفسح على ما رتبه البطاركة في أيام الملك أوراليانوس قيصر كما تقدّم ، ومنعوا أن يكون للأسقف زوجة ، وكان الأساقفة قبل ذلك إذا كان مع أحدهم زوجة لا يمنع منها إذا عمل أسقفا بخلاف البطرك ، فإنه لا يكون له امرأة البتة ، وانصرفوا من مجلس قسطنطين بكرامة جليلة ، والإسكندروس هذا هو الذي كسر الصنم النحاس الذي كان في هيكل زحل بالإسكندرية ، وكانوا يعبدونه ويجعلون له عيدا في ثاني عشر هتور ، ويذبحون له الذبائح