الكثيرة ، فأراد الإسكندروس كسر هذا الصنم فمنعه أهل الإسكندرية ، فاحتال عليهم وتلطف في حيلته إلى أن قرب العيد ، فجمع الناس ووعظهم وقبح عندهم عبادة الصنم وحثهم على تركه ، وأن يعمل هذا العيد لميكائيل رئيس الملائكة الذي يشفع فيهم عند الإله ، فإن ذلك خير من عمل العيد للصنم ، فلا يتغير عمل العيد الذي جرت عادة أهل البلد بعمله ، ولا تبطل ذبائحهم فيه ، فرضي الناس بهذا ووافقوه على كسر الصنم ، فكسره وأحرقه وعمل بيته كنيسة على اسم ميكائيل ، فلم تزل هذه الكنيسة بالإسكندرية إلى أن حرّقها جيوش الإمام المعز لدين الله أبي تميم معدّ ، لما قدموا في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة واستمرّ عيد ميكائيل عند النصارى بديار مصر باقيا يعمل في كلّ سنة.
وفي السنة الثانية والعشرين من ملك قسطنطين سارت أمّه هيلاني إلى القدس وبنت به كنائس للنصارى ، فدلها مقاريوس الأسقف على الصليب وعرّفها ما عملته اليهود ، فعاقبت كهنة اليهود حتى دلوها على الموضع ، فحفرته فإذا قبر وثلاث خشبات ، زعموا أنهم لم يعرفوا الصليب المطلوب من الثلاث خشبات إلّا بأن وضعت كل واحدة منها على ميت قد بلي ، فقام حيا عندما وضعت عليه خشبة منها ، فعملوا لذلك عيدا مدّة ثلاثة أيام عرف عندهم بعيد الصليب ، ومن حينئذ عبد النصارى الصليب ، وعملت له هيلاني غلافا من ذهب وبنت كنيسة القيامة التي تعرف اليوم بكنيسة قمامة ، وأقامت مقاريوس الأسقف على بناء بقية الكنائس ، وعادت إلى بلادها ، فكانت مدّة ما بين ولادة المسيح وظهور الصليب ثلاثمائة وثمان وعشرين سنة ، ثم قام في بطركية الإسكندرية بعد اسكندروس تلميذه ايناسيوس الرسوليّ ، فأقام ستا وأربعين سنة ومات بعد ما ابتلى بشدائد ، وغاب عن كرسيه ثلاث مرّات ، وفي أيامه جرت مناظرات طويلة مع أوسانيوس للأسقف آلت إلى ضربه وفراره ، فإنه تعصب لآريوس وقال : إنه لم يقل إن المسيح خلق الأشياء ، وإنما قال به خلق كل شيء لأنه كلمة الله التي بها خلق السماوات والأراض ، وإنما خلق الله تعالى جميع الأشياء بكلمته ، فالأشياء به كوّنت لا أنه كوّنها ، وإنما الثلاثمائة وثمانية عشر تعدّوا عليه ، وفي أيامه تنصر جماعة من اليهود وطعن بعضهم في التوراة التي بأيدي اليهود ، وأنهم نقصوا منها ، وأن الصحيحة هي التي فسرها السبعون ، فأمر قسطنطين اليهود بإحضارها ، وعاقبهم على ذلك حتى دلوه على موضعها بمصر ، فكتب بإحضارها فحملت إليه ، فإذا بينها وبين توراة اليهود نقص ألف وثلاثمائة وتسع وستين سنة ، زعموا أنهم نقصوها من مواليد من ذكر فيها لأجل المسيح ، وفي أيامه بعثت هيلاني بمال عظيم إلى مدينة الرها فبني به كنائسها العظيمة ، وأمر قسطنطين بإخراج اليهود من القدس وألزمهم بالدخول في دين النصرانية ، ومن امتنع منهم قتل ، فتنصر كثير منهم وامتنع أكثرهم فقتلوا ، ثم امتحن من تنصر منهم بأن جمعهم يوم الفسح في الكنيسة وأمرهم بأكل لحم الخنزير ، فأبى أكثرهم أن يأكل منه ، فقتل منهم في ذلك اليوم خلائق كثيرة جدّا.