ولما قام قسطنطين بن قسطنطين في الملك بعد أبيه ، غلبت مقالة آريوس على القسطنطينية وأنطاكية والإسكندرية ، وصار أكثر أهل الإسكندرية وأرض مصر آريوسيين ومنانيين ، واستولوا على ما بها من الكنائس ، ومال الملك إلى رأيهم ، وحمل الناس عليه ، ثم رجع عنه وزعم ابريس أسقف القدس أنه ظهر من السماء على القبر الذي بكنيسة القيامة شبه صليب من نور في يوم عيد العنصرة ، لعشرة أيام من شهر أيار في الساعة الثالثة من النهار ، حتى غلب نوره على نور الشمس ، ورآه جميع أهل القدس عيانا ، فأقام فوق القبر عدّة ساعات والناس تشاهده ، فآمن يومئذ من اليهود وغيرهم عدّة آلاف كثيرة. ثم لما ملك موليهانوس ابن عم قسطنطين اشتدّت نكايته للنصارى وقتل منهم خلقا كثيرا ، ومنعهم من النظر في شيء من الكتب ، وأخذ أواني الكنائس والديارات ، ونصب مائدة كبيرة عليها أطعمة مما ذبحه لأصنامه ، ونادى من أراد المال فليضع البخور على النار ، وليأكل من ذبائح الحنفاء ، ويأخذ ما يريد من المال ، فامتنع كثير من الروم وقالوا نحن نصارى ، فقتل منهم خلائق ومحا الصليب من أعلامه وبنوده ، وفي أيامه سكن القدّيس أريانوس برّية الأردن وبني بها الديارات ، وهو أوّل من سكن برّية الأردن من النصارى. فلما ملك يوسيانوس على الروم وكان متنصرا ، عاد كل من كان فرّ من الأساقفة إلى كرسيه ، وكتب إلى أبناسيوس بطرك الإسكندرية أن يشرح له الأمانة المستقيمة ، فجمع الأساقفة وكتبوا له أن يلزم أمانة الثلاثمائة وثمانية عشر. فثار أهل الإسكندرية على إيناسيوس ليقتلوه ، ففرّ. وأقاموا بدله لوقيوس ، وكان آريوسيا ، فاجتمع مع الأساقفة بعد خمسة أشهر وحرموه ونفوه ، وأعادوا ايناسيوس إلى كرسيه ، فأقام بطركا إلى أن مات ، فخلفه بطرس ثم وثب الآريسيون عليه بعد سنتين ففرّ منهم وأعادوا لوقيوس ، فأقام بطركا ثلاث سنين ، ووثب عليه أعداؤه ففرّ منهم ، فردّوا بطرس في العشرين من أمشير ، فأقام سنة. وقدم في أيام واليس ملك الروم آريوس أسقف أنطاكية إلى الإسكندرية بإذن الملك ، وأخرج منها جماعة من الروم ، وحبس بطرس بطركها ونصب بدله آريوس السميساطيّ ، ففرّ بطرس من الحبس إلى رومية واستجار ببطركها ، وكان واليس آريوسيا ، فسار إلى زيارة كنيسة مارتوما بمدينة الرها ونفى أسقفها وجماعة معه إلى جزيرة رودس ، ونفى سائر الأساقفة لمخالفتهم لرأيه ما عدا اثنين ، وأقام في بطركية الإسكندرية طيماتاوس ، فأقام سبع سنين ومات. وفي أيامه كان المجمع الثاني من مجامع النصارى بقسطنطينية في سنة اثنتي عشرة ومائة لدقلطيانوس ، فاجتمع مائة وخمسون أسقفا وحرموا مقدينون عدوّ روح القدس ، وكلّ من قال بقوله. وسبب ذلك أنه قال أنّ روح القدس مخلوق ، وحرموا معه غير واحد لعقائد شنيعة تظاهروا بها في المسيح ، وزاد الأساقفة في الأمانة التي رتبها الثلاثمائة وثمانية عشر : ونؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الأب ، قلت تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا ، وحرّموا أن يزاد فيها بعد ذلك شيء أو ينقص منها شيء ، وكان هذا المجمع بعد مجمع نيقية بثمان وخمسين سنة ، وفي