فنزل مدينة اخميم وأقام بها سبع سنين ومات ، فدفن بها ، وظهرت مقالته فقبلها برصوما أسقف نصيبين ، ودان بها نصارى أرض فارس والعراق والموصل والجزيرة إلى الفرات ، وعرفوا إلى اليوم بالنسطورية.
ثم قدّم تاوداسيوس ملك الروم في الثانية من ملكه ديسقورس بطركا بالإسكندرية ، فظهر في أيامه مذهب أوطاخي ، أحد القنوميين بالقسطنطينية ، وزعم أن جسد المسيح لطيف غير مساو لأجسادنا ، وأن الابن لم يأخذ من مريم شيئا ، فاجتمع عليه مائة وثلاثون أسقفا وحرموه ، واجتمع بالإسكندرية كثير من اليهود في يوم الفسح وصلبوا صنما على مثال المسيح وعبثوا به ، فثار بينهم وبين النصارى شرّ قتل فيه بين الفريقين خلق كثير ، فبعث إليهم ملك الروم جيشا قتل أكثر يهود الإسكندرية ، وكان المجمع الرابع من مجامع النصارى بمدينة خلقدونية ، وسببه أن ديسقورس بطرك الإسكندرية قال أن المسيح جوهر من جوهرين ، وقنوم من قنومين ، وطبيعة من طبيعتين ، ومشيئة من مشيئتين ، وكان رأي مرقيانوس ملك الروم أنه جسد ، وأهل مملكته أنه جوهران وطبيعتان ومشيئتان وقنوم واحد ، فلما رأى الأساقفة أن هذا رأي الملك خافوه فوافقوه على رأيه ما خلا ديسقورس وستة أساقفة ، فإنهم لم يوافقوا الملك ، وكتب من عداهم من الأساقفة خطوطهم بما اتفقوا عليه ، فبعث ديسقورس يطلب منهم الكتاب ليكتب فيه ، فلما وصل إليه كتابهم كتب فيه أمانته هو ، وحرمهم وكل من يخرج عنها ، فغضب الملك مرقيانوس وهمّ بقتله ، فأشير عليه بإحضاره ومناظرته ، فأمر به فحضر وحضر ستمائة وأربعة وثلاثون أسقفا ، فأشار الأساقفة والبطاركة على ديسقورس بموافقة رأي الملك ، واستمراره على رياسته ، فدعا للملك ، وقال لهم :
الملك لا يلزمه البحث في هذه الأمور الدقيقة ، بل ينبغي له أن يشتغل بأمور مملكته وتدبيرها ، ويدع الكهنة يبحثون عن الأمانة المستقيمة ، فإنهم يعرفون الكتب ، ولا يكون له هوى مع أحد ، ويتبع الحق ، فقالت بلخارية زوجة الملك مرقيانوس وكانت جالسة بإزائه ، ياديسقورس قد كان في زمان أمي إنسان قويّ الرأس مثلك ، وحرموه ونفوه عن كرسيه ، تعني يوحنا فم الذهب بطرك قسطنطينية ، فقال لها قد عملت ما جرى لأمّك وكيف ابتليت بالمرض الذي تعرفينه إلى أن مضت إلى جسد يوحنا فم الذهب واستغفرت فعوفيت ، فحنقت من قوله ولكمته فانقلع له ضرسان ، وتناولته أيدي الرجال فنتفوا أكثر لحيته ، وأمر الملك بحرمانه ونفيه عن كرسيه ، فاجتمعوا عليه وحرموه ونفوه ، وأقيم عوضه برطاوس ، ومن هذا المجمع افترق النصارى وصاروا ملكية على مذهب مرقيانوس الملك ، ويعقوبية على رأي ديسقورس ، وذلك في سنة ثلاث وتسعين ومائة لدقلطيانوس ، وكتب مرقيانوس إلى جميع مملكته أن كل من لا يقول بقوله يقتل ، فكان بين المجمع الثالث وبين هذا المجمع إحدى وعشرون سنة ، وأما ديسقورس فإنه أخذ ضرسيه وشعر لحيته وأرسلها إلى الإسكندرية وقال : هذه ثمرة تعبي على الأمانة ، فتبعه أهل إسكندرية ومصر ، وتوجه في