وذكر عن عثمان رضياللهعنه أنه أوّل من رزق المؤذنين ، فلما كثرت مساجد الخطبة أمر مسلمة بن مخلد الأنصاريّ في إمارته على مصر ببناء المنار في جميع المساجد خلا مساجد تجيب وخولان ، فكانوا يؤذنون في الجامع أوّلا ، فإذا فرغوا أذن كلّ مؤذن في الفسطاط في وقت واحد ، فكان لأذانهم دويّ شديد. وكان الأذان أوّلا بمصر كأذان أهل المدينة ، وهو الله أكبر الله أكبر وباقيه كما هو اليوم ، فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمرو بالفسطاط ، وفي جامع العسكر ، وفي جامع أحمد بن طولون وبقية المساجد إلى أن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله وبنى القاهرة ، فلما كان في يوم الجمعة الثامن من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ، صلّى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون ، وخطب به عبد السميع بن عمر العباسيّ بقلنسوة وسبني وطيلسان دبسيّ ، وأذن المؤذنون حيّ على خير العمل ، وهو أوّل ما أذن به بمصر ، وصلّى به عبد السميع الجمعة فقرأ سورة الجمعة (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) وقنت في الركعة الثانية وانحط إلى السجود ونسي الركوع ، فصاح به عليّ بن الوليد قاضي عسكر جوهر بطلت الصلاة أعد ظهرا أربع ركعات ، ثم أذن بحيّ على خير العمل في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبد الله ، وأنكر جوهر على عبد السميع أنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كلّ سورة ، ولا قرأها في الخطبة ، فأنكره جوهر ومنعه من ذلك.
ولأربع بقين من جمادى الأولى المذكور ، أذّن في الجامع العتيق بحيّ على خير العمل ، وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة ، فلم يزل الأمر على ذلك طول مدّة الخلفاء الفاطميين ، إلّا أن الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذني القصر وسائر الجوامع ، وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقيّ ، وقرأ أبو عليّ العباسيّ سجلا فيه الأمر بترك حيّ على خير العمل في الأذان ، وأن يقال في صلاة الصبح الصلاة خير من النوم ، وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله ، فامتثل ذلك. ثم عاد المؤذنون إلى قول حيّ على خير العمل في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعمائة ، ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذني جامع القاهرة ومؤذني القصر من قولهم بعد الأذان السلام على أمير المؤمنين ، وأمرهم أن يقولوا بعد الأذان ، الصلاة رحمك الله. ولهذا الفعل أصل. قال الواقديّ : كان بلال رضياللهعنه يقف على باب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، وربما قال : السلام عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، السلام عليك يا رسول الله.
قال البلاذريّ وقال غيره : كان يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح ، الصلاة يا رسول الله. فلما ولي أبو بكر رضياللهعنه الخلافة كان سعد القرظ يقف على بابه فيقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله