إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، وكان أوّل تأذينه بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة. قاله الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ النسابة ، ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه حيّ على خير العمل ، ومحمد وعليّ خير البشر إلى أيام نور الدين محمود. فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية ، استدعى أبا الحسن عليّ بن الحسن بن محمد البلخيّ الحنفيّ إليها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مروهم يؤذنوا الأذان المشروع ، ومن امتنع كبوه على رأسه. فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمرّ الأمر على ذلك.
وأمّا مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر ، وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعيّ رضياللهعنه ، وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمهالله ، فأبطل من الأذان قول حيّ على خير العمل ، وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ، فاستمرّ الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة رضياللهعنه في مصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنيفة بأذان أهل الكوفة ، وتقام الصلاة أيضا على رأيهم ، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا ، إلّا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسيّ بعد سنة ستين وسبعمائة ، فاستمرّ إلى أن كان في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، ومتولي الأمر بديار مصر الأمير منطاش ، القائم بدولة الملك الصالح المنصور ، أمير حاج المعروف بحاجي بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون. فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ليلة جمعة ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم : أتحبون أن يكون هذا السلام في كلّ أذان؟ قالوا : نعم. فبات تلك الليلة وأصبح متواجدا يزعم أنه رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في منامه ، وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب فيبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كلّ أذان ، فمضى إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبديّ وكان شيخا جهولا وبلهانا مهولا سيء السيرة في الحسبة والقضاء ، متهافتا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء ، لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلّا ولا ذمّة قد ضرى على الآثام ، وتجسد من أكل الحرام ، يرى أن العلم إرخاء العذبة ولبس الجبة ، ويحسب أنّ رضي الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة ، لم تحمد الناس قط أياديه ، ولا شكرت أبدا مساعيه ، بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة ، أشخص غير مرّة إلى مجلس المظالم ، وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح ، حقق فيها شكاته عليه القوادح ، وما زال في السيرة