الجامع الطيبرسيّ بشاطئ النيل ، قال : أخبرني محمد بن عمر البوصيريّ قال : حدّثنا قطب الدين محمد الهرماس ، أنه رأى بالجامع الحاكميّ حجرا ظهر من مكان قد سقط منقوش عليه هذه الأبيات الخمسة :
إنّ الذي أسررت مكنون اسمه |
|
وكتمته كيما أفوز بوصله |
مال له جذر تساوى في الهجا |
|
طرفاه يضرب بعضه في مثله |
فيصير ذاك المال إلّا أنّه |
|
في النصف منه تصاب أحرف كله |
وإذا نطقت بربعه متكلما |
|
من بعد أوّله نطقت بكله |
لا نقط فيه إذا تكامل عدّه |
|
فيصير منقوطا بجملة شكله |
قال وهذه الأبيات لغز في الحجر المكرّم.
وقال العلامة شمس الدين محمد بن النقاش في كتاب العبر في أخبار من مضى وغبر : وفي هذه السنة ، يعني سنة إحدى وستين وسبعمائة ، صودر الهرماس وهدمت داره التي بناها أمام الجامع الحاكميّ ، وضرب ونفي هو وولده. فلما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرون من ذي القعدة استفتى السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في وقف حصة طندتا ، وهي الأرض التي كان قد سأله الهرماس أن يقفها على مصالح الجامع الحاكميّ فعين له خمسمائة وستين فدّانا من طين طندتا ، وطلب الموقعين وأمرهم أن يكتبوا صورة وقفها ويحضروه ليشهدوا عليه به ، وكان قد تقرّر من شروطه في أوقافه ما قيل أنه رواية عن أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه ، من أنّ للواقف أن يشترط في وقفه التغيير والزيادة والنقص وغير ذلك ، فأحضر الكركيّ الموقع إليه الكتاب مطويا ، فقرأ منه طرّته وخطبته وأوّله ، ثم طواه وأعاده إليه مطويا وقال : اشهدوا بما فيه دون قراءة وتأمل ، فشهدوا هم بالتفصيل الذي كتبوه وقرّروه مع الهرماس ، ولما اطلع السلطان على ذلك بعد نفي الهرماس طلب الكركيّ وسأله عن هذه الواقعة فأجاب بما قد ذكرنا والله أعلم بصحة ذلك. غير أن المعلوم المقرّر أن السلطان ما قصد إلّا مصالح الجامع ، نعم سأله أزدمر الخازندار ، هل وقفت حصة لطيفة على أولاد الهرماس فإنه قد ذكر ذلك؟ فقال : نعم أنا وقفت عليهم جزأ يسيرا لم أعلم مقداره ، وأما التفصيل المذكور في كتاب الوقف فلم أتحققه ولم أطلع عليه ، فاستفتى المفتين في هذه الواقعة ، فأمّا المفتون كابن عقيل وابن السبكيّ والبلقينيّ والبسطاميّ والهنديّ وابن شيخ الجبل والبغداديّ ونحوهم ، فأجابوا ببطلان الحكم المترتب على هذه الشهادة الباطلة ، وبطلان التنفيذ ، وكان الحنفيّ حكم والبقية نفذوا ، وأما الحنفيّ فقال : إنّ الوقف إذا صدر صحيحا على الأوضاع الشرعية فإنه لا يبطل بما قاله الشاهد ، وهو جواب عن نفس الواقعة ، وأما الشافعيّ فكتب ما مضمونه : إنّ الحنفيّ إن اقتضى مذهبه بطلان ما صححه أوّلا نفذ بطلانه ، وحاصل ذلك أن القضاة أجابوا بالصحة ، والمفتين أجابوا بالبطلان. فطلب