قال الكنديّ : وقال يزيد بن أبي حبيب : سمعت أشياخنا ممن حضر مسجد الفتح يقولون : وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيهم الزبير بن العوام ، والمقداد ، وعبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، وفضالة بن عبيد ، وعقبة بن عامر ، رضياللهعنهم. وفي رواية أسس مسجدنا هذا أربعة من الصحابة ، أبو ذر ، وأبو بصيرة ، ومحمئة بن جزء الزبيديّ ونبيه بن صواب.
وقال عبد الله بن أبي جعفر : أقام محرابنا هذا عبادة بن الصامت ، ورافع بن مالك ، وهما نقيبان. وقال داود بن عقبة : أن عمرو بن العاص بعث ربيعة بن شرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن علقمة القرشيّ ، ثم العدويّ ، يقيمان القبلة ، وقال لهما : قوما إذا زالت الشمس. أو قال : انتصفت الشمس ، فاجعلاها على حاجبيكما ففعلا.
وقال الليث : إنّ عمرو بن العاص كان يمدّ الحبال حتى أقيمت قبلة المسجد. وقال عمرو بن العاص : شرّقوا القبلة تصيبوا الحرم. قال : فشرّقت جدّا ، فلما كان قرّة بن شريك تيامن بها قليلا ، وكان عمرو بن العاص إذا صلّى في مسجد الجامع يصلي ناحية الشرق إلّا الشيء اليسير ، وقال رجل من تجيب : رأيت عمرو بن العاص دخل كنيسة فصلّى فيها ولم ينصرف عن قبلتهم إلّا قليلا ، وكان الليث وابن لهيعة إذا صليا تيامنا ، وكان عمر بن مروان عمّ الخلفاء إذا صلّى في المسجد الجامع تيامن. وقال يزيد بن حبيب في قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) ، هي قبلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي نصبها الله عزوجل مقابل الميزاب ، وهي قبلة أهل مصر وأهل الغرب ، وكان يقرأها فلنولينك قبلة نرضاها بالنون. وقال هكذا أقرأناها أبو الخير.
وقال الخليل بن عبد الله الأزديّ : حدّثني رجل من الأنصار أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاه جبريل فقال : ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة ، ثم قال بيده ، فأماط كلّ جبل بينه وبين الكعبة ، فوضع المسجد وهو ينظر إلى الكعبة ، وصارت قبلته إلى الميزاب.
وقال ابن لهيعة : سمعت أشياخنا يقولون : لم يكن لمسجد عمرو بن العاص محراب مجوّف ، ولا أدري بناه مسلمة أو بناه عبد العزيز. وأوّل من جعل المحراب قرّة بن شريك.
وقال الواقديّ : حدّثنا محمد بن هلال قال : أوّل من أحدث المحراب المجوّف عمر بن عبد العزيز ، ليالي بني مسجد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وذكر عمر بن شيبة أن عثمان بن مظعون تفل في القبلة فأصبح مكتئبا ، فقالت له امرأته : ما لي أراك مكتئبا؟ قال : لا شيء إلّا أني تفلت في القبلة وأنا أصلي ، فعمدت الى القبلة فغسلتها ، ثم عملت خلوقا (١) فخلقتها ، فكانت أوّل من خلق القبلة.
وقال أبو سعيد سلف الحميريّ : أدركت مسجد عمرو بن العاص طوله خمسون ذراعا
__________________
(١) الخلوق : ضرب من الطيب أعظم أجزائه الزعفران. وخلّقه : طيّبه بالخلوق.