وأربعمائة : وقريء يوم الجمعة ثامن عشري صفر سجل بتحبيس عدّة ضياع ، وهي : اطفيح وصول وطوخ وست ضياع أخر ، وعدّة قياسر وغيرها على القرّاء والفقهاء والمؤذنين بالجوامع ، وعلى المصانع والقوّام بها ، ونفقة المارستانات وأرزاق المستخدمين فيها وثمن الأكفان.
وقال الشريف بن أسعد الجوّانيّ : كان القضاة بمصر إذا بقي لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يوما على المساجد والمشاهد بمصر والقاهرة يبدأون بجامع المقس ، ثم القاهرة ، ثم المشاهد ، ثم القرافة ، ثم جامع مصر ، ثم مشهد الرأس لنظر حصر ذلك وقناديله وعمارته وما تشعث منه ، وما زال الأمر على ذلك إلى أن زالت الدولة الفاطمية. فلما استقرّت دولة بني أيوب أضيفت الأحباس أيضا إلى القاضي ، ثم تفرّقت جهات الأحباس في الدولة التركية وصارت إلى يومنا هذا ثلاث جهات : الأولى تعرف بالأحباس ، ويلي هذه الجهة دوادار السلطان ، وهو أحد الأمراء ومعه ناظر الأحباس ، ولا يكون إلّا من أعيان الرؤساء ، وبهذه الجهة ديوان فيه عدّة كتاب ومدبر ، وأكثر ما في ديوان الأحباس الرزق الإحباسية ، وهي أراض من أعمال مصر على المساجد والزوايا للقيام بمصالحها ، وعلى غير ذلك من جهات البرّ ، وبلغت الرزق الإحباسية في سنة أربعين وسبعمائة عند ما حرّرها النشو ناظر الخاص في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، مائة ألف وثلاثين ألف فدّان ، عمل النشو بها أوراقا ، وحدّث السلطان في إخراجها عمن هي باسمه وقال : جميع هذه الرزق أخرجها الدواوين بالبراطيل والتقرّب إلى الأمراء والحكام ، وأكثرها بأيدي أناس من فقهاء الأرياف لا يدرون الفقه ، يسمون أنفسهم الخطباء ، ولا يعرفون كيف يخطبون ولا يقرءون القرآن ، وكثير منها بأسماء مساجد وزوايا معطلة وخراب ، وحسن له أن يقيم شادّا وديوانا يسير في النواحي وينظر في المساجد التي هي عامرة ، ويصرف لها من رزقها النصف ، وما عدا ذلك يجري في ديوان السلطان. فعاجله الله وقبض عليه قبل عمل شيء من ذلك.
الجهة الثانية تعرف بالأوقاف الحكمية بمصر والقاهرة ، ويلي هذه الجهة قاضي القضاة الشافعيّ ، وفيها ما حبس من الرباع على الحرمين وعلى الصدقات والأسرى وأنواع القرب ، ويقال لمن يتولى هذه الجهة ناظر الأوقاف ، فتارة ينفرد بنظر أوقاف مصر والقاهرة رجل واحد من أعيان نوّاب القاضي ، وتارة ينفرد بأوقاف القاهرة ناطر من الأعيان ، ويلي نظر أوقاف مصر آخر ، ولكلّ من أوقاف البلدين ديوان فيه كتّاب وجباة ، وكانت جهة عامرة يتحصل منها أموال جمة ، فيصرف منها لأهل الحرمين أموال عظيمة في كلّ سنة ، تحمل من مصر إليهم مع من يثق به قاضي القضاة ، وتفرّق هناك صررا ، ويصرف منها أيضا بمصر والقاهرة لطلبة العلم ولأهل الستر وللفقراء شيء كثير ، إلّا أنها اختلت وتلاشت في زمننا هذا ، وعما قليل إن دام ما نحن فيه لم يبق لها أثر البتة ، وسبب ذلك أنه ولي قضاء الحنفية كمال الدين عمر بن العديم في أيام الملك الناصر فرج ، وولاية الأمير جمال الدين يوسف