بني إسرائيل وملوكهم وأحبارهم ، ولم يكن أحد منهم إلّا ومن نسله محرر لبيت المقدس من الغلمان ، وكانت الجارية لا تصلح لذلك ، وكان جائزا في شريعتهم ، وكان على أولادهم أن يطيعوهم ، فإذا حرر خدم الكنيسة بالكنس والإسراج حتى يبلغ ، فيخير ، فإن أحب أن يقيم في الكنيسة أقام فيها ، وليس له الخروج بعد ذلك ، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء ، ولم يكن أحد من الأنبياء والعلماء إلّا ومن نسله محرر لبيت المقدس.
(فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) أنث الضمير في وضعتها حملا على المعنى في : ما ، لأن ما في بطنها كان أنثى في علم الله تعالى. وقال ابن عطية : حملا على الموجودة ، ورفعا للفظ : ما ، في قولها : ما في بطني. وقال الزمخشري : أو على تأويل الجبلة ، أو النفس ، أو النسمة. جواب : لما ، هو : قالت وخاطبت ربها على سبيل التحسر على ما فاتها من رجائها ، وخلاف ما قدّرت لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرا يصلح للخدمة ، ولذلك نذرته محررا. وجاء في قوله : (إِنِّي وَضَعْتُها) الضمير مؤنثا ، فإن كان على معنى النسمة أو النفس فظاهر ، إذ تكون الحال في قوله : أنثى ، مبينة إذ النسمة والنفس تنطلق على المذكر والمؤنث.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز انتصاب أنثى حالا من الضمير في وضعتها ؛ وهو كقولك : وضعت الأنثى أنثى؟.
قلت : الأصل وضعته أنثى ، وإنما أنث لتأنيث الحال لأن الحال ، وذا الحال شيء واحد ، كما أنث الاسم في : من كانت أمّك؟ لتأنيث الخبر ، ونظيره قوله تعالى : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) (١). انتهى. وآل قوله إلى أن : أنثى ، تكون حالا مؤكدة ، لا يخرجه تأنيثه لتأنيث الحال من أن يكون الحال مؤكدة. وأما تشبيهه ذلك بقوله : من كانت أمّك؟ حيث عاد الضمير على معنى : من ، فليس ذلك نظير : وضعتها أنثى ، لأن ذلك حمل على معنى : من ، إذ المعنى : أية امرأة ، كانت امّك ، أي : كانت هي أيّ المرأة أمّك ، فالتأنيث ليس لتأنيث الخبر ، وإنما هو من باب الحمل على معنى : من ، ولو فرضنا أنه تأنيث للأسم لتأنيث الخبر لم يكن نظير : وضعتها أنثى ، لأن الخبر مخصص بالإضافة إلى الضمير ، فقد استفيد من الخبر ما لا يستفاد من الاسم بخلاف أنثى ، فإنه لمجرد التأكيد.
وأما تنظيره بقوله : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) (٢) فيعنى أنه ثنى بالأسم لتثنية الخبر ، والكلام
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٧٦.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٧٦.