مع ذلك ، ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة ، لم يقع هنا ، ولذلك أنس بها في قوله : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (١) فهذا النوع من النظر يسلك بك سبيل العجائب في حين فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة ، ومعنى قوله : (كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) اعبدوني واجعلوني إلها. انتهى كلام ابن عطية. وفيه بعض مناقشة.
أما قوله : ومن جموعه : عبيد وعبدى ، أما عبيد فالأصح أنه جمع. وقيل : اسم جمع ، و : أما عبدى فاسم جمع ، وألفه للتأنيث. وأما ما استقرأه أن عبادا يساق في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير والتصغير ، وإيراده ألفاظا في القرآن بلفظ العباد ، وقوله : وأما العبيد فيستعمل في تحقير ، وأنشد بيت إمرئ القيس ، وقول حمزة وقوله تعالى (بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٢) فليس باستقراء صحيح ، وإنما كثر استعمال : عباد ، دون : عبيد ، لأن فعالا في جمع فعل غير اليائي العين قياس مطرد ، وجمع فعل على فعيل لا يطرد.
قال سيبويه : وربما جاء فعيلا وهو قليل ، نحو : الكليب والعبيد. انتهى.
فلما كان فعال هو المقيس في جمع : عبد ، جاء : عباد ، كثيرا. وأما (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣) فحسن مجيئه هنا وإن لم يكن مقيسا أنه جاء لتواخي الفواصل ، ألا ترى أن قبله (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٤) وبعده (قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) (٥) فحسن مجيئه بلفظ العبيد مواخاة هاتين الفاصلتين ، ونظير هذا قوله في سورة ق : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٦) لأن قبله (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) (٧) وبعده (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (٨) وأما مدلوله فمدلول : عباد ، سواء.
وأما بيت امرئ القيس فلم يفهم التحقير من لفظ : عبيد ، إنما فهم من إضافتهم إلى العصا ، ومن مجموع البيت. وكذلك قول حمزة إنما فهم منه معنى التحقير من قرينة الحال التي كان عليها ، وأتى في البيت ، وفي وقل حمزة على أحد الجائزين.
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ١٠.
(٣ ـ ٢) سورة فصلت : ٤١ / ٤٦.
(٤) سورة فصلت : ٤١ / ٤٤.
(٥) سورة فصلت : ٤١ / ٤٧.
(٦) سورة ق : ٥٠ / ٢٩.
(٧) سورة ق : ٥٠ / ٢٨.
(٨) سورة ق : ٥٠ / ٣٠.