وعباده الذين رسخوا في العلم ، أي ثبتوا فيه وتمكنوا ، وعضوا فيه بضرس قاطع. ويقولون ، كلام مستأنف موضح لحال الراسخين ، بمعنى : هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا به ، أي : بالمتشابه. انتهى كلامه.
وتلخص في إعراب (وَالرَّاسِخُونَ) وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على قوله : الله ، ويكون في إعراب : يقولون ، وجهان : أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف. والثاني : أنه في موضع نصب على الحال من الراسخين ، كما تقول : ما قام إلّا زيد وهند ضاحكة.
والثاني : من إعراب : والراسخون ، أن يكون مبتدأ ، ويتعين أن يكون : يقولون ، خبرا عنه ، ويكون من عطف الجمل.
وقيل : (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مؤمنو أهل الكتاب : كعبد الله بن سلام وأصحابه ، بدليل (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) (١) يعنى الراسخين في علم التوراة ، وهذا فيه بعد ، وقد فسر الرسوخ في العلم بما لا تدل عليه اللغة ، وإنما هي أشياء نشأت عن الرسوخ في العلم ، كقول نافع : الراسخ المتواضع لله ، وكقول مالك : الراسخ في العلم العامل بما يعلم ، المتبع.
(كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) هذا من المقول ، ومفعول : يقولون قوله : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) وجعلت كل جملة كأنها مستقلة بالقول ، ولذلك لم يشترك بينهما بحرف العطف ، أو جعلا ممتزجين في القول امتزاج الجملة الواحدة ، نحو قوله :
كيف أصحبت؟ كيف أمسيت؟ مما |
|
يزرع الود في فؤاد الكريم؟ |
كأنه قال : هذا الكلام مما يزرع الودّ. والضمير في : به ، يحتمل أن يعود على المتشابه ، وهو الظاهر ، ويحتمل أن يعود على الكتاب. والتنوين في : كل ، للعوض من المحذوف ، فيحتمل أن يكون ضمير الكتاب ، أي : كله من عند ربنا ، ويحتمل أن يكون التقدير : كل واحد من المحكم والمتشابه من عند الله ، وإذا كان من عند الله فلا تناقض ولا اختلاف ، وهو حق يجب أن يؤمن به. وأضاف العندية إلى قوله : ربنا ، لا إلى غيره من أسمائه تعالى
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦٢.