وتمني ذلك هو أن يكون له مثل ما لذلك المفضل. وقال ابن عباس وعطاء : هو أن يتمنى مال غيره. وقال الزمخشري : نهوا عن الحسد ، وعن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال ، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد ، وبما يصلح للمقسوم له من بسط في الرزق أو قبض انتهى. وهو كلام حسن. وظاهر النهي إنما يتناول ما فضل الله به بعضهم على بعض. أما تمني أشياء من أحوال صالحة له في الدنيا وأعمال يرجو بها الثواب في الآخرة فهو حسن لم يدخل في الآية. وقد جاء في الحديث : «وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيى ثم أقتل» وفي آخر الآية : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) (١) فدل على جواز ذلك. وإذا كان مطلق تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض منهيا عنه ، فإن يكون ذلك بقيد زوال نعمة من فضل عليه عنه بجهة الأحرى. والأولى إذ هو الحسد المنهي عنه في الشرع ، والمستعاذ بالله منه في نص القرآن. وقد اختلفوا إذا تمنى حصول مثل نعمة المفضل عليه له من غير أن تذهب عن المفضل ، فظاهر الآية المنع ، وبه قال المحققون ، لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة في حقه في الدين ، ومضرة عليه في الدنيا ، فلا يجوز أن يقول : اللهم أعطني دارا مثل دار فلان ، ولا زوجا مثل زوجه ، بل يسأل الله ما شاء من غير تعرض لمن فضل عليه. وقد أجازه بعض الناس.
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) قال ابن عباس وقتادة : معناه من الميراث ، لأن العرب كانت لا تورث النساء. وضعف هذا القول لأن لفظ الاكتساب ينبو عنه ، لأن الاكتساب يدل على الاعتمال والتطلب للمكسوب ، وهذا لا يكون في الإرث ، لأنه مال يأخذه الوارث عفوا بغير اكتساب فيه ، وتفسير قتادة هذا متركب على ما قاله في سبب نزول الآية. وقيل : يعبر بالكسب عن الإصابة ، كما روي أنّ بعض العرب أصاب كنزا فقال له ابنه : بالله يا أبه أعطني من كسبك نصيبا ، أي مما أصبت. ومنه قول خديجة رضياللهعنها : وتكسب المعدوم. قالوا : ومنه قول الشاعر :
فإن أكسبوني نزر مال فإنني |
|
كسبتهم حمدا يدوم مع الدهر |
وقالت فرقة : المعنى أن الله تعالى جعل لكل من الصنفين مكاسب تختص به ، فلا يتمنى أحد منها ما جعل للآخر. فجعل للرجال الجهاد والإنفاق في المعيشة ، وحمل
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣٢.