فكان عمر بن الخطاب يقول : قد علمت : أن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة. ثم مات غريقا في الخمر (١).
ونعلق على ما تقدم بأمور :
الأول : قد يقال : إن كلمة عمر في حق وحشي تشير إلى أن الله تعالى سوف يخذل قاتل حمزة ، ولا يمده بالتوفيقات والعنايات والألطاف ؛ بل يطبع على قلبه بما عصى واعتدى.
ولكن الحقيقة هي خلاف هذا التوجيه ، فإن عمر ـ على ما يظهر ـ كان يذهب إلى أبعد من ذلك ، فهو يقول : إن الله سوف لا يدع قاتل حمزة ، بل سوف يلاحقه في كل مكان لينتقم منه بصورة مباشرة ، وسوف لا يدعه وشأنه ، ولن يفسح له المجال لإصلاح نفسه ، ولعمل الخير ، وملازمة التقوى.
إذا ، فشرب وحشي للخمر هو نتيجة لهذا التصميم الإلهي على الانتقام من هذا الرجل.
ومعنى ذلك : هو أن شربه للخمر كان من فعل الله سبحانه ، ووحشي كان مجبورا على ذلك.
نقول هذا : لأن لدينا الكثير من الدلائل والشواهد على أن عمر كان لا يزال يعتقد بالجبر الإلهي ، وأن جهود النبي «صلى الله عليه وآله» لم تفلح في قلع هذه الرواسب من نفسه ، ونفوس الكثيرين ممن كانوا قد عاشوا في الجاهلية ، وتربوا على مفاهيمها وأفكارها.
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٩ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٢٦ ، واسعاف الراغبين ، بهامش نور الابصار ص ٨٦.