قاب قوسين أو أدنى ، يكذب ما يدّعيه البعض : من أنهم قد تخيلوا انتهاء أمد أمر النبي «صلى الله عليه وآله» ، وإن هذا اجتهاد منهم (١).
فإنه لو كان اجتهادا لما كان معصية ، مع أن القرآن يصرح بالمعصية. والقول بأن المراد بالمعصية : المخالفة مطلقا ، ولو عن اجتهاد ؛ خلاف ظاهر كلمة : (عصيتم). فالنصر كان معهم ، وحليفهم حتى تنازع الرماة ، لأن بعضهم كان يريد الدنيا ، وبعضهم يريد الآخرة.
أضف إلى ذلك : أن أمر الرسول كان صريحا لهم في أن لا يتركوا مراكزهم ، حتى يرسل إليهم ، حتى ولو رأوهم مهزومين ، أو حتى لو رأوهم يغنمون ، ولذا قال رفقاؤهم : لا نخالف أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فكيف يصح بعد هذا أن يقال : إنهم تخيلوا انتهاء أمد أمره «صلى الله عليه وآله»؟!.
وهكذا ، فقد كانت معصية بعض الرماة ، وتنازعهم سببا في كل ما نال المسلمين من كوارث ونكبات آنئذ ، قد أشرنا ولسوف نشير إن شاء الله الى شطر منها.
٢ ـ وأيضا ، فقد كان لاغترارهم بأنفسهم ، وبكثرتهم ، أثر كبير في حلول الهزيمة بهم ، فقد قالوا للنبي «صلى الله عليه وآله» : قد كنت في بدر في ثلاثمئة رجل ؛ فأظفرك الله بهم ، ونحن اليوم بشر كثير ، نتمنى هذا اليوم ، وندعو الله له ، وقد ساقه الله إلى ساحتنا هذه (٢).
__________________
(١) البوطي في : فقه السيرة ص ٢٦١.
(٢) المغازي للواقدي ج ١ ص ٢١١ ، وسيرة المصطفى ص ٣٩٦.