بمعرفته بنوايا جيش الأعداء ، وأعطى دلائل تشير إلى تلك النوايا وهي دلائل دقيقة وعميقة ، لا يدركها الناس العاديون ، حيث جعل ركوبهم الإبل دليلا على أمر آخر ..
وقد استعد لمواجهة كلا الاحتمالين بالقرار المناسب ، فكيف ينسبون إليه ـ والعياذ بالله ـ أنه يجهل بأمور بديهية ، مثل قصة تأبير النخل ونحوها ، مما هو مختلق ومكذوب؟
ونلاحظ أيضا : أن تفرق جيشه من حوله حتى لم يبق معه سوى علي «عليه السلام» لم يضعفه ، ولم يفقده القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في مواضع الشدة ، فيعلن لعلي بهذا القرار الذي يشير إلى أنه لم يكن في تلك اللحظات الصعبة يفكر بنفسه ، بل بما هو أهم وأولى وأكثر حساسية بالنسبة لحفظ الكيان العام ألا وهو حفظ حرمة المدينة من أن ينتهكها الجيش الغازي.
ومهما يكن من أمر ، فإنه بعد انتهاء المعركة خرج علي «عليه السلام» حتى ملأ درقته ماء من المهراس ، فجاء به رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليشرب ؛ فوجد له ريحا ، فعافه ولم يشرب. وغسل الدم عن وجهه.
ويقال : إن فاطمة «عليها السلام» كانت تغسل جراحاته وتضمدها ، وهو «صلى الله عليه وآله» يقول : إشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه (١).
__________________
(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤١ و ٤٣٧ عن المواهب اللدنية ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٧ و ٢٣٦ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٥٧ و ١٥٨ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٠٠ و ٢٠١ ، ومغازي الواقدي ج ١ ص ٢٩٠ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ١٧ ، وفي السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٦ و ٢٣٧ : أن سعدا هو الذي أتاه بالماء ، فشرب منه ودعا له. ولكن الصحيح هو أنه علي (عليه السلام) لتضافر الروايات عليه.