وحيث لم يكن لمخيريق وارث ؛ فإن النبي «صلى الله عليه وآله» يكون وارثه.
ولسوف يأتي بعض الكلام عن مصير أمواله «صلى الله عليه وآله» عند الكلام عن فدك إن شاء الله تعالى.
ب : إن موقف مخيريق هذا في أحد يذكرني بموقف الحر الرياحي في كربلاء. فكل منهما قد اتخذ القرار الحاسم في أحرج اللحظات ، وأكثرها حساسية. فإن مخيريق قد استطاع أن يتخلى عن كل ما يحيط به من روابط تشده إلى الأرض ، وتهيمن عليه ، وتمنعه من اتخاذ القرار طيلة تلك المدة الطويلة ، وكذلك فعل الحر أيضا. وإن تحكيم العقل ، والتخلي عن كل تلك الروابط ، وإبعاد سائر تلك المؤثرات ، يحتاج إلى جهد نفسي كبير. وبهذا تعرف الرجال ، وما تحمله من فضائل نفسية ، وملكات إنسانية. لأن حالات كهذه تكون الأعصاب فيها عادة في أقصى حالات التوتر ، والمشاعر والعواطف في منتهى تأججها. وكل الروابط والمؤثرات الأرضية تكون واضعة كل ثقلها في تصوراته ، ونظراته المستقبلية.
ولهذا كان (مخيريق) خير يهود. ولعل الذي سهل على مخيريق اتخاذه قراره الحاسم ذاك ، هو قناعاته المترسخة في عمق وجدانه ، والتي تستمد عمقها هذا من الإخبارات الصريحة والقاطعة التي يجدها عنده في التوراة والإنجيل ، حتى إن اليهود كانوا يعرفون النبي «صلى الله عليه وآله» كما يعرفون أبناءهم.
ج : إن إصرار عمرو بن الجموح على الخروج إلى الحرب ، وإذن النبي «صلى الله عليه وآله» له ، إنما يعني أن عدم الخروج للجهاد رخصة للأعرج لا عزيمة. فإذا بلغ المسلم من النضج الروحي بحيث يعتبر عدم الشهادة له