فعمار لم ير النصر العسكري ، والقوة العسكرية مقياسا للحق والباطل ، كما هو شأن ضعاف النفوس. بل هو يجعل النصر والهزيمة رهن الحق والباطل. فالمحق منتصر دائما ، حتى حينما يكون منهزما عسكريا وسياسيا ، والمبطل هو المنهزم ، وإن كان منتصرا على الصعيد العسكري والسياسي وغير ذلك في ظاهر الأمر.
نعم ، إن قضية «حويصة ومحيصة» تمثل لنا الشخصية التي يريد الإسلام ، واستطاع الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» والأئمة «عليهم السلام» من بعده : أن يصنعوا منها نماذج متفوقة ، تعتبر حب الله متفوقا على كل حب ، ورابطة العقيدة تسمو على كل رابطة (١).
ولكن لم تستطع سائر الأجهزة التي حكمت باسم الإسلام ، وتحت شعار خلافة النبوة ، أن تصنع ولو نموذجا واحدا من هذا القبيل ، حتى ولو في المستوى الأدنى ، إلا إذا كان ذلك عن طريق خداع بعض السذج ببعض الشعارات البراقة ، والأساليب الشيطانية ، فينقادون لهم ، ويؤخذون بسحرهم.
وهذا ليس هو محط كلامنا ، فنحن نتكلم عن الإيمان العميق المدعوم بالعقيدة الراسخة ، والمنطلق من الوعي والفكر ، والرؤية الصحيحة. فإذا لوحظ وجود فرد يتجه في هذا السبيل ، فإنك ستجده ـ حتما ـ يرتبط بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنحو من الارتباط والاتصال.
وبعد ما تقدم ، فإننا لا بد أن نفسح المجال أمام الحديث عن المرحلة الثانية ، وهي مرحلة الحرب العلنية ، فإلى الصفحات التالية ..
__________________
(١) راجع مقال : الحب في التشريع الإسلامي في كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.