أكثرهم قرآنا يفترض به أن يكون هو الأكثر وعيا وبصيرة في أمره ، ومن ثم يكون إخلاصه للقضية التي يقاتل من أجلها أشد ، وارتباطه بها أعمق. وكلما كان العمل أكثر إخلاصا لله ، كلما كانت قيمته أغلى ؛ وثمنه أغلى ، لأنه يستمد قيمته هذه من مدى اتحاده بذلك الهدف ، وفنائه فيه.
بل نجد أنه «صلى الله عليه وآله» يتجاوز ذلك ، إلى أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يبعث بعثا وهم ذوو عدد ، فاستقرأهم ؛ ليعرف ما معهم من القرآن ؛ فوجد : أن أحدثهم سنا ، أكثرهم قرآنا ، فأمّره عليهم (١).
فهو «صلى الله عليه وآله» يعطي بذلك نظرة الإسلام الصحيحة للعلم والمعرفة الذين يتركان أثرهما الإيجابي حتى بالنسبة لما بعد الموت ، وحتى بالنسبة لهؤلاء المتساوين من حيث بذل أغلى ما لديهم في سبيله ، وإن لم يكونوا متساوين في درجات معرفتهم ، وثقافتهم ، ووعيهم.
ولقد رأينا أنه «صلى الله عليه وآله» يقول ـ كما يروي لنا أبو سلمة ـ : إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم وإن كان أصغرهم ؛ فإذا أمهم فهو أميرهم (٢).
وفي هذا دلالة واضحة على أن الملاك في التقديم هو المعرفة الخالصة ، التي تؤهل الإنسان لأن يكون أكثر خشية لله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٣). وليس هو الجمال ، أو الجاه ، أو المال ، أو النسب ، أو غير ذلك ؛
__________________
(١) حياة الصحابة ج ٢ ص ٥٤ ، والترغيب والترهيب ج ٢ ص ٣٥٢ ، وراجع : المصنف ج ٥ ص ١٦٥ ففيه ما يشير إلى ذلك.
(٢) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج ٥ ص ١٦٥.
(٣) الآية ٢٨ من سورة فاطر.