دلّت على مصارعهم ؛ فلم تكترث. وسألت عن الرسول «صلى الله عليه وآله» فدلّت عليه ؛ فذهبت حتى أخذت بناحية ثوبه.
ثم جعلت تقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا أبالي إذا سلمت من عطب (١).
ونقول : إن هؤلاء النسوة قد بلغن من المعرفة والوعي حدا صرن معه يعتبرن وجود النبي «صلى الله عليه وآله» كل شيء بالنسبة إليهن ، وكل مصيبة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» هينة ، ولا يبالين إن سلم من عطب. فالرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» هو مصدر الطمأنينة ، وعنوان الحياة ، والوجود لهن. وبدونه لا طعم للحياة ، ولا معنى للبقاء.
وقد بلغ من يقينهن بما يخبر به الرسول «صلى الله عليه وآله» : أنهن صرن كأنهن يرينه رأي العين ، حتى لتقول أم سعد بن معاذ حينما أخبرها بما للشهيد في الجنة : ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!.
ولا يمكن أن نرجع ذلك كله لشخصية النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقوة تأثيرها ، وإنما يرجع ذلك ـ ولا شك ـ إلى فطرية تعاليم الإسلام ومبادئه ، وانسيابها مع المشاعر والعواطف ، حتى لتمتزج بوجود الإنسان ، وفي كل كيانه ، وتسري فيه كما يسري الدم في العروق.
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٣ و ٢٥١ و ٢٥٢ و ٢٥٤ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٤٤ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢١٠ ، والكامل لابن الاثير ج ٢ ص ١٦٣ ، والبحار ج ٢٠ ص ٩٨ ، واعلام الورى ص ٨٥ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١١٥ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٥٦ عنه ، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٧.