يظهر ، في حين لم يكن في هذه الغزوة طمع في مال ولا في غنائم ، قد أوضح لكل أحد : أن هؤلاء مستميتون في الدفاع عن دينهم وعقيدتهم ؛ وأن جراحهم تلك لم تحل دون إقدامهم على ملاحقة عدوهم ؛ فهم يطلبون الموت ويسعون إليه ، فالوقوف في وجه هؤلاء إنما يعني الوقوف أمام خيارين :
إما موت هؤلاء ، ولا يموتون إلا بعد أن يموت معهم كل من يقدرون عليه ، وإما موت عدوهم.
وإذا كان جرحاهم على استعداد لمثل هذا ، فما حال غيرهم ممن وراءهم ، ممن سوف لن يسكتوا عن إمدادهم ومساعدتهم؟!.
وإذا فخروج الجرحى كان هو الأصوب ، لأن رهبة العدو تكون أعظم ، وخوفه يكون أشد ، لأنه يعلم أن وراءهم من لا يحب الحياة أكثر منهم.
ولسوف يدرك عدوهم : أن ما جرى في أحد ليس إلا نتيجة نزوة عارضة ألمت ، ويصعب تكررها منهم ، بعد الذي أصابهم بسببها.
كما وتصير حجة من يريد التشكيك بقدرتهم الطبيعية على المواجهة ـ من المنافقين أو اليهود ـ ضعيفة وواهية ، يصعب تقبلها.
إذا ، فمواجهة المسلمين وهم في قدرتهم الطبيعية ، وحين لا يكون ثمة حالة استثنائية ـ كما جرى في أحد ـ سوف يكون عملا انتحاريا ، لا مبرر له ، ولا منطق يساعده.
ولا سيما بعد أن تعلم المسلمون هذا الدرس الصعب ، الذي كلفهم غاليا ، فإن احتمال حدوث حالة استثنائية بعده يكاد يلحق بالممتنعات.
ولذلك فقد أوقد المسلمون خمسمائة نار ، فكبت الله بذلك عدوهم ،