تكلم حول معرفته «صلى الله عليه وآله» باللغات ، عربيها ، وعجميها ، وأيد ذلك بنقل المؤرخين والمحدثين أنه «صلى الله عليه وآله» كان يتكلم مع كل قوم بلسانهم ، قال «رحمه الله» : «ولكنه «صلى الله عليه وآله» كتب إلى ملوك العجم كقيصر ، وكسرى ، والنجاشي بلغة العرب ، مع أن الجدير أن يكتب إلى كل قوم بلسانهم ؛ إظهارا للمعجزة ، واستحداثا للألفة ؛ فما الوجه في ذلك؟! وأي فائدة في الكتابة بالعربية؟ وأي وازع في الترقيم بالعجمية؟!
والذي يقضي به التدبر ، وينتهي إليه الفكر : أن الفائدة في ذلك هو حفظ شؤون الملة الإسلامية ، وصونا لجانب الاستقلال والعظمة ، ألا ترى أن الأمم الراقية المتمدنة يسعون في انتشار لسانهم في العالم ، حتى تصير لغتهم لغة عالمية ، إعمالا للسيادة ، وتثبيتا للعظمة؟
فكأنه «صلى الله عليه وآله» يلاحظ جانب الإسلام ، وأنه يعلو ولا يعلى عليه ، وأن لغة القرآن لا بد أن تنتشر ، وتعم العالم ، لأن القرآن كتاب للعالم ؛ فعظمة القرآن ، وعموم دعوته ، وعظمة النبي الأقدس «صلى الله عليه وآله» ، ورسالته العالمية ، تقضي أن يكتب إليهم بلغة القرآن.
فعلى ملوك العالم ، والعالم البشري أن يتعلموا لسانه المقدس ، ولغته السامية ، لغة القرآن المجيد ، تثبيتا لهذا المرمى العظيم ، والغرض العالي» (١).
الثانية : وبعد ، فإننا لا ننكر أن يكون زيد بن ثابت قد تعلم شيئا من العبرانية أو السريانية ، قليلا كان ذلك أو كثيرا ، ولكننا نشك في أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي طلب منه ذلك ، ونشك كذلك في أن
__________________
(١) مكاتيب الرسول ج ١ ص ١٦ و ١٧.