كان بينهم وبين سائر اليهود عداوة ، وذلك لأن اليهود كما قال ابن اسحاق :
«كانوا فريقين ، منهم بنو قينقاع ولفهم (١) ، حلفاء الخزرج ، والنضير وقريظة ولفهم حلفاء الأوس ، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب ، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم. وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم ، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان : لا يعرفون جنة ، ولا نارا ، ولا بعثا ، ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حلالا ، ولا حراما.
فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أساراهم ، تصديقا لما في التوراة ، وأخذ به بعضهم من بعض ، يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم من أيدي الأوس ، وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم ، ويطلون ما أصابوه من الدماء وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرة لأهل الشرك عليهم» (٢).
وكانوا بذلك مصداقا لقوله تعالى وهو يخاطب اليهود : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ، ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ)(٣) صدق الله العلي العظيم.
__________________
(١) لفهم : أي من يعد فيهم.
(٢) السيرة النبوية ، لابن هشام ج ٢ ص ١٨٨ و ١٨٩.
(٣) الآيتان ٨٤ و ٨٥ من سورة البقرة.