النبي «صلى الله عليه وآله» وهو في مقام النبوة ، وفي حين كان أصحابه يتفانون في سبيله ، حتى ليقولون له : إنه لو أمرهم بأن يلقوا أنفسهم في البحر لفعلوا ، فإنه لا يريد أن ينفرد في اتخاذ القرار ، لأن أقل مضار ذلك هو أن لا يشعر أتباعه بأن لهم شخصيتهم وفكرهم المتميز ، فهو حين يتجاهلهم كأنه يقول لهم : إنهم لا يملكون الفكر والفهم والشعور الكافي ، وإنما هم مجرد آلة تنفيذ لا أكثر ولا أقل ، وهو فقط يملك حرية إصدار القرار ، والتفكير فيه دونهم.
وطبيعي أن ينعكس ذلك على الأجيال بعده «صلى الله عليه وآله» ، فكل حاكم يأتي سوف يستبد بالقرار ، وسيقهر الناس على الانصياع لإرادته ، مهما كانت ، وذلك بحجة أن له في رسول الله «صلى الله عليه وآله» أسوة حسنة. مع أنه ليس من لوازم الحكم ، الاستبداد بالرأي ، فقد استشار النبي «صلى الله عليه وآله» ـ وهو معصوم ـ أصحابه في بدر وأحد (١) انتهى.
ونزيد نحن هنا : أن ظروف وأجواء آية : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) تشعر بأنه قد كان ثمة حاجة لتأليف الناس حينئذ ، وجلب محبتهم وثقتهم ، وإظهار العطف والليونة معهم ، وأن لا يفرض الرأي عليهم فرضا ، رحمة لهم ، وحفاظا على وحدتهم واجتماعهم ، ولمّ شعثهم ، وجمع كلمتهم ، وكبح جماحهم؟!
فالآية تقول : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(٢).
فكأنه كان قد بدر من أصحابه أمر سيء يستدعي العفو عنهم واللين
__________________
(١) جريدة (جمهوري إسلامي) الفارسية عدد ٣٠ ربيع الأول ١٤٠٠ ه.
(٢) الآية ١٥٩ من سورة آل عمران.