فذلك كله يدعونا إلى القول : بأنه كان على علم تام بهذه الجموع المحتشدة ، وبمقاصدها .. وبأن قتل الحارث بن عمير الأزدي كان هو الإشارة للمسلمين ، التي جعلتهم قادرين على تلمس خطورة الأمر ، وشحذت هممهم للنفير لمواجهة الخطر المحدق ، بطريقة توجب تشويش الأمور على قيصر ، وتمنعه من متابعة مسيرته ، وتحجب عنه فرصة اتخاذ القرار النهائي بالتوغل إلى عمق منطقة الحجاز ، وتعيد الأمور بالنسبة إليه إلى نقطة الصفر ، ولو بأن تثور عاصفة من الشكوك حول حاجة هذا الجيش الذي هيأه إلى إعادة تجهيز ، وإلى تهيئة روحية ، وإلى شحن نفسي جديد ..
فإنه إذا كان ثلاثة آلاف مقاتل ، بإمكانياتهم المتواضعة قد واجهوا جيشا مؤلفا من مائتي ألف ، كانوا بأحسن عدة ، وأتم تجهيز ..
وإذا كان قادة هذا الجيش هم أكثر الناس حرصا على التضحية والفداء حتى الاستشهاد ، وقد ظهرت منهم هذه البسالة النادرة ، رغم أنهم في بلد عدوهم ، وإذا كانوا لم ترهبهم عدة ولا عدد عدوهم .. فكيف يكون حال القتال معهم إذا دهمهم الخطر في بلدهم ، وأصبح دينهم ونبيهم في معرض الخطر الحقيقي؟!
وإذا كان هذا هو فعل الطليعة ، والسرية ، فكيف يكون فعل الجيش الذي وراءها ، ولا بد أن يكون فيه الشجعان والأبطال ، والأشدّاء من الرجال ..
ولا سيما قالع باب خيبر ، والبطل المظفر ، علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه .. الذي لا بد أن يكون صدى ضرباته الماحقة وهجماته الساحقة ، واقتلاعه لباب خيبر قد بلغ مسامع قيصر ، وكل بطل وشجاع!!
فهذه السرية رغم أنها لم تسر وفق ما يريده الله ورسوله باعتبار أن