فالنبي «صلىاللهعليهوآله» لا يعد الفقراء من أصحابه بالمال ، ولا يمنّيهم به ، كما أنه لا ينتظر إلى حين حصول المال عنده ليفرقه عليهم ، بل هو حين يرى حاجة أصحابه ، يبادر إلى الاستدانة ، لسد عوز اهل الحاجة منهم.
وحين أوقع خالد بن الوليد ببني جذيمة بغير حق ، بادر النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى إصلاح الخلل ، ورتق الفتق من هذا المال الذي اقترضه. وأصبح هو المسؤول عن أدائه كشخص.
فهو «صلىاللهعليهوآله» حين أخذ المال للفقراء من أصحابه ، ثم للمظلومين بسبب عدوان خالد لم يجعل أداء المال المقترض بعهدة بيت المال. ولم يشرك معه أحدا في تحمل مسؤولية الأداء ، ولا طالب خالدا ومن معه بشيء مما أخذوه ، أو أتلفوه ، أو تسببوا بنشوء حق فيه ، بل تحمل هو نفسه «صلىاللهعليهوآله» كامل المسؤولية عن الأداء.
على أن ثمة أمرا آخر تحسن الإشارة إليه ، وهو أن اقتراض النبي «صلىاللهعليهوآله» ثم أداؤه لما اقترضه ، يعطي دروسا للناس في ذلك المحيط الجديد ، مفادها :
١ ـ أنه رغم كل هذا الاتساع في النفوذ ، وكل هذه النجاحات التي حققها «صلىاللهعليهوآله» لم يكن يهدف إلى الإحتفاظ بالمال ليكون ذا قوة إقتصادية هائلة.
٢ ـ إنه برغم انتصاره العظيم الذي لم تمض بضعة أيام على حصوله لا يأخذ شيئا من أموال هؤلاء الذين حاربوه طيلة كل تلك السنين ، وقد هيمن الآن على بلادهم بقوة السلاح ، رغم أن له الحق في أخذ تلك الأموال ، كما كان له الحق في استرقاق محاربيه منهم ، ولكنه لم يفعل ذلك ، بل أطلقهم ، ولم