ولعل مستنده في ذلك ان غاية ما يستفاد من الآية والاخبار الواردة في المقام عدم القبول الموجب لعدم استحقاق الثواب ، وهو غير مناف للصحة بمعنى عدم وجوب الإعادة.
وربما أيد ذلك بكثير من ظواهر الكتاب والسنة كقوله تعالى : «... إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)» (١) «... و لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ...» (٢).
وكما ورد في الاخبار الصحيحة (٣) : «ان صلاة شارب الخمر إذا سكر لا تقبل أربعين صباحا أو أربعين يوما أو ليلة».
مع عدم القول بفساد شيء من ذلك ووجوب إعادته من تلك الجهة.
وأنت خبير بان الكلام هنا يرجع إلى بيان معنى الصحة في العبادات ، هل هي عبارة عن موافقة الأمر وحصول ما يستلزم الثواب ، أو انها عبارة عما يوجب سقوط العقاب وان لم يستلزم الثواب ، وإنما يستلزمه القبول وهو أمر زائد على الاجزاء والصحة ومرجع ذلك إلى كونها عبارة عما يسقط القضاء خاصة؟ المشهور الأول والمرتضى على الثاني
والظاهر هو المشهور من ان الصحة إنما هي عبارة عن موافقة الأمر وامتثاله ، وان ذلك موجب للقبول وترتب الثواب :
(أما أولا) ـ فلانه لا خلاف بين كافة العقلاء في ان السيد إذا أمر عبده أمرا إيجابيا بفعل ووعده الأجر عليه ، فاتى العبد بالفعل حسبما أمر به السيد ، ثم ان السيد رده عليه ولم يقبله منه ومنعه الأجر الذي وعده ، مع انه لم يخالف شيئا مما امره به فان العقلاء لا يختلفون في لوم السيد ونسبته إلى خلاف العدل ، سيما إذا كان السيد ممن يصف نفسه بالعدل ويتمدح بالفضل والكرم.
و (اما ثانيا) ـ فلان تفسير الصحة بأنها عبارة عما أسقط القضاء مستلزم للقول
__________________
(١) سورة المائدة الآية ٢٧.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٦٤.
(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.