الرأس؟ وكيف يصح إثباته بالاستدلال؟ والأمور النقلية إنما نثبت بالسماع لا بالاستدلال ومن كلامهم «جز ناصيته» «وأخذ بناصيته» ومعلوم انه لا يتقدر ، لأنهم قالوا : الطرة هي الناصية. واما الحديث «ومسح بناصيته» فهو دال على هيئة ، ولا يلزم نفي ما سواها. وان قلنا : الباء للتبعيض ارتفع النزاع» انتهى. ثم قال (رحمهالله) بعدها : «وهو نص على ما امليناه وشاهد صدق على ما ادعيناه» انتهى.
أقول : والذي يلوح للفكر القاصر ان مراد صاحب المصباح من سوق هذا الكلام ـ حيث انه شافعي المذهب ـ الرد على أبي حنيفة فيما ذهب اليه من وجوب المسح على ربع الرأس مدعيا أنه الناصية ، مستندا إلى رواية المغيرة بن شعبة عن النبي (صلىاللهعليهوآله) بأنه مسح على ناصيته ، قال : «والناصية تقرب من ربع الرأس» (١). فقال صاحب الكتاب بعد تفسير الناصية بما فسيرها به غيره من أهل اللغة بقصاص الشعر : ان تخصيص أهل اللغة كلا من هذه المواضع من اجزاء الرأس باسم على حدة ـ ولم يعينوا اسما للمسافة التي من القصاص مما يلي الوجه إلى قمة الرأس ـ يعطي أن الناصية في كلامهم اسم لمقدم الرأس الذي هو عبارة عن هذه المسافة ، وحينئذ فاما ان تكون الناصية عبارة عن القصاص كما هو المشهور في كلامهم ، أو عن مجموع المقدم كما هو المستفاد من هذا التقسيم ، فالقول بكونها عبارة عن ربع الرأس لا مجال له. ثم اعترض عليه بأنه كيف يثبت بالاستدلال ، إشارة إلى الاستدلال بالرواية المذكورة ، وساق الكلام في الرد على أبي حنيفة وتأويل الحديث الذي استند اليه. هذا ما يفهم من العبارة المذكورة. وقوله ـ : «كالصريح في ان الناصية مقدم الرأس» بحمل المقدم على الناصية دون العكس ـ يرشد إلى ما ادعيناه ، وحينئذ فالعبارة في الدلالة على ما ندعيه أظهر.
__________________
(١) في الهداية لشيخ الإسلام الحنفي ج ١ ص ٤ «المفروض في مسح الرأس مقدار الناصية وهو ربع الرأس ، لما روى المغيرة بن شعبة : «ان النبي (ص) توضأ ومسح بناصيته وخفيه ، والكتاب مجمل فالتحق بيانا به». وفي التعليقة ٦ في الصحيفة ٢٥٣ ما يتعلق بالمقام.