ولا انضباط في الصدر الأول ، فربما اشتهر القول بينهم في عصر من الأعصار على وجه لا يتمكن أحد من العمل بخلافه وندر في عصر آخر ، لأن المدار في شيوع تلك المذاهب على ما اعتنت به سلاطين الجور وائمة الضلال من نصب قضاة من جهتهم وحمل الناس على العمل بما يفتون به ، ولا ريب ان عمل كل من قضاتهم وفقهائهم إنما هو على ما تستحسنه عقولهم وتقتضيه قياساتهم ، فلا قاعدة لهم مربوطة ولا سنة لهم مضبوطة ، واشتهار هذه المذاهب الأربعة إنما وقع أخيرا كما صرح به جملة من علمائنا وعلمائهم ، وحينئذ فمن الجائز اشتهار التثليث في الغسل في ذلك الوقت وإن ندر في وقت آخر ، ومن ذلك يعلم أيضا قرب احتمال التقية في أخبار التثنية كما احتمله في المنتقى ، على أن الذي رأيته فيما حضرني من كتبهم الفروعية ذكر التثليث في مستحبات الوضوء مصرحين بأن الأولى فرض والثانية سنة والثالثة كمال السنة ، ولعل اشتهار التثليث عندهم ـ وملازمتهم عليه على وجه يتهمون من تركه بكونه رافضيا ، كما سمعته من قصتي داود وعلي بن يقطين ـ أن الشيعة لما أنكرته تمام الإنكار بل أبطلوا به الوضوء كما دلت عليه نصوصهم ردا على العامة ، شدد العامة الأمر فيه أيضا ردا على الشيعة ولازموا عليه تمام الملازمة عنادا لهم ، ويؤيده انهم قد تركوا كثيرا من السنن مع اعترافهم بكونها كذلك عنادا للشيعة لملازمتهم عليها ، كما أوضحنا جملة من ذلك في بعض رسائلنا ، فجعلوا كل من لم يعمل بالتثليث رافضيا. والعجب من شيخنا البهائي (طاب ثراه) حيث استند إلى قصة علي بن يقطين في دلالتها على الأمر بغسل الرجلين تقية وحمل التثليث على ضم غسل الرجلين إلى غسل العضوين الآخرين ، وغفل عما دلت عليه صريحا من الأمر بغسل كل من تلك الأعضاء ثلاثا ثلاثا ، ولعله (قدسسره) لم يلاحظ الرواية وقت التصنيف.
(الرابع) ـ ما ذهب اليه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين من حمل التثنية على الغسل والمسح ، قال في الكتاب المذكور : «ولا يخفى احتمال تلك الأخبار لمعنى آخر طالما يختلج بالبال ، وهو أن يكون (عليهالسلام) أراد بقوله : «الوضوء مثنى