قال لي قوم : ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في العلم؟ فاعجبتني نفسي فناظرته وزدت ، فكأني كنت طائرا أشرب من بحر.
أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه ، حدّثنا أبو عمر بن حيويه ، حدّثنا محمّد ابن القاسم الأنباريّ ، حدّثنا أحمد بن يحيى ، حدّثنا خلف بن هشام.
وأخبرنا هلال بن المحسن الكاتب ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن الجرّاح الخزاز ، حدّثنا أبو بكر بن الأنباريّ قال : قال أبو العبّاس ـ يعني ثعلبا ـ قال لي خلف : أولمت وليمة ، فدعوت الكسائي واليزيدي فقال اليزيدي للكسائي : يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك ، وحكايات تتصل بنا ينكر بعضها؟ فقال الكسائي أو مثلي يخاطب بهذا؟ وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا ـ ثم بصق ـ فسكت اليزيدي. هذا لفظ ابن الجرّاح.
وقال : قال أبو بكر بن الأنباريّ : اجتمعت للكسائي أمور لم تجتمع لغيره ، فكان واحد الناس في القرآن يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم ، فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره ، وهم يستمعون ، حتى كان بعضهم ينقط المصاحب على قراءته ، وآخرون يتبعون مقاطعه ومباديه فيرسمونها في ألواحهم وكتبهم. وكان أعلم الناس بالنحو ، وواحدهم في الغريب.
أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن عليّ الصّيرفيّ ، حدّثنا القاضي أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن الحسين الجعفي ـ بالكوفة ـ حدّثنا الحسن بن داود النقار ، حدثني أبو محمّد الفسطاطي عبد الله بن عيسى ـ وكان متعبدا ـ حدّثنا أحمد بن سهل التّميميّ ـ ورّاق أبي عبيد ـ قال : سمعت الكسائي يقول : بعد ما قرأت القرآن على الناس رأيت النبيصلىاللهعليهوسلم في المنام فقال لي : أنت الكسائي؟ قلت نعم يا رسول الله! قال : عليّ بن حمزة؟ قلت نعم يا رسول الله! قال : الذي أقرأت أمتي بالأمس القرآن؟ قلت : نعم يا رسول الله. قال : فاقرأ عليّ. قال فلم يتأت على لساني إلا : (وَالصَّافَّاتِ) ، فقرأت عليه : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) فقال لي أحسنت ولا تقل (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا). نهاني عن الإدغام ، ثم قال لي اقرأ فقرأت حتى انتهيت إلى قوله تعالى: (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) فقال. أحسنت ولا تقل (يَزِفُّونَ) ، ثم قال قم ، فلأباهين بك ـ شك الكسائي ـ القراء ، أو الملائكة.