السنة ، واستأذنته في قسمته في سبله وعلى أهل الوقف ، فقال لي : فهل جبيت ما على أمير المؤمنين؟ فقلت له : ومن يجسر على مطالبة الخليفة؟! فقال : والله لا قسمت الارتفاع أو تأخذ ما عليه ، والله لئن لم يزح العلة لا وليت له عملا ، ثم قال : امض إليه الساعة وطالبه ، فقلت : من يوصلني؟ فقال : امض إلى صافي الحرمي وقل له إنك رسولي أنفذتك في مهم ، فإذا وصلت فعرفه ما قلت لك ، فجئت ، فقلت لصافي ذلك ، فأوصلني ، وكان آخر النهار ، فلما مثلت بين يدي الخليفة ظن أن أمرا عظيما قد حدث ، وقال : هيه قل ، كأنه متشوف ، فقلت له : إني ألى لعبد الحميد ـ قاضي أمير المؤمنين ـ وقوف الحسن بن سهل ، وفيها ما قد أدخله أمير المؤمنين إلى قصره ، ولما جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته إلى أن أجبي ما على أمير المؤمنين ، وأنفذني الساعة قاصدا بهذا السبب ، وأمرني أن أقول إني حضرت في مهم لأصل (٢) ، قال فسكت ساعة مفكرا ثم قال : أصاب عبد الحميد ، يا صافي هات الصندوق ، قال فأحضره صندوقا لطيفا ، فقال : كم يجب لك؟ فقلت : الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذه العقارات أربعمائة دينار ، قال : كيف حذقك بالنقد والوزن؟ قلت : أعرفها ، قال هاتوا ميزانا ، فجاءوا بميزان حراني حسن عليه حلية ذهب وأخرج من الصندوق دنانير عينا فوزن منها أربعمائة دينار ، فوزنتها بالميزان وقبضتها وانصرفت إلى أبي خازم بالخبر فقال : أضفها إلى ما اجتمع من الوقف عندك وفرقه في غد في سبله ، ولا تؤخر ذلك ، ففعلت ذلك. فكثر شكر الناس لأبي خازم بهذا السبب وإقدامه على الخليفة بمثل ذلك ، وشكرهم للمعتضد في إنصافه.
أخبرنا التنوخي ، حدّثنا أبي قال : حدثني أبو الفرج طاهر بن محمّد الصالحي قال : حدثني القاضي أبو طاهر محمّد بن أحمد بن عبد الله بن نصر قال : بلغني أن أبا خازم القاضي جلس في الشرقية وهو قاضيها للحكم ، فارتفع إليه خصمان ، فاجترأ أحدهما بحضرته بما أوجب التأديب ، فأمر بتأديبه وأدب فمات في الحال ، فكتب إلى المعتضد من المجلس : اعلم أمير المؤمنين ـ أطال الله بقاءه ـ أن خصمين حضراني فاجترأ أحدهما بما أوجب عليه معه الأدب عندي ، فأمرت بتأديبه فأدب فمات ، فإذا كان المراد به مصلحة المسلمين فمات في الأدب فالدية واجبة في بيت مال المسلمين ، فإن رأى أمير المؤمنين ـ أطال الله بقاءه ـ أن يأمر بحمل الدية إلىّ لأحملها إلى ورثته
__________________
(٢) من هنا حتى نهاية الأبيات التي بآخر الترجمة سقط من النسخة الصميصاطية.