ووقعت ما الاستفهامية بعد لام التعليل فيكون المسئول عنه هو سبب المحاجة فما صدق (ما) علة من العلل مجهولة أي سبب للمحاجّة مجهول ؛ لأنه ليس من شأنه أن يعلم لأنه لا وجود له ، فلا يعلم ، فالاستفهام عنه كناية عن عدمه ، وهذا قريب من معنى الاستفهام الإنكاري ، وليس عينيه.
وحذفت ألف ما الاستفهامية على ما هو الاستعمال فيها إذا وقعت مجرورة بحرف نحو (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] وقول ابن معد يكرب :
علام تقول الرمح يثقل عاتقي
والألفات التي تكتب في حروف الجر على صورة الياء. إذا جر بواحد من تلك الحروف (ما) هذه يكتبون الألفات على صورة الألف : لأنّ ما صارت على حرف واحد فأشبهت جزء الكلمة فصارت الألفات كالتي في أواسط الكلمات.
وقوله : (فِي إِبْراهِيمَ) معناه في شيء من أحواله ، وظاهر أنّ المراد بذلك هنا دينه ، فهذا من تعليق الحكم بالذات ، والمراد حال من أحوال الذات يتعين من المقام كما تقدّم في تفسير قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) في سورة البقرة [١٧٣].
و (ها) من قوله : (ها أَنْتُمْ) تنبيه ، وأصل الكلام أنتم حاججتم ، وإنما يجيء مثل هذا التركيب في محل التعجب والنكير والتنبيه ونحو ذلك ، ولذلك يؤكد غالبا باسم إشارة بعده فيقال ها أنا ذا ، وها أنتم أولاء أو هؤلاء.
و (حاجَجْتُمْ) خبر (أَنْتُمْ) ، ولك أن تجعل جملة حاججتم حالا هي محل التعجيب باعتبار ما عطف عليها من قوله : (فَلِمَ تُحَاجُّونَ) : لأنّ الاستفهام فيه إنكاري، فمعناه : فلا تحاجون.
وسيأتي بيان مثله في قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) [آل عمران : ١١٩].
وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) تكميل للحجة أي إنّ القرآن الذي هو من عند الله أثبت أنه ملة إبراهيم ، وأنتم لم تهتدوا لذلك لأنكم لا تعلمون ، وهذا كقوله في سورة البقرة [١٤٠] : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ).
(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ