وقوله : (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) يبطل قولهم : إنّ الإسلام زاد على دين إبراهيم ، ولا يدل على أنهم على دين إبراهيم ؛ لأنّ التوراة والإنجيل لم يرد فيهما التصريح بذلك ، وهذا هو الفارق بين انتساب الإسلام إلى إبراهيم وانتساب اليهودية والنصرانية إليه ، فلا يقولون وكيف يدّعى أنّ الإسلام دين إبراهيم مع أنّ القرآن أنزل من بعد إبراهيم كما أنزلت التوراة والإنجيل من بعده.
وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ) يدل على أنّ الله أنبأ في القرآن بأنه أرسل محمدا بالإسلام دين إبراهيم وهو أعلم منكم بذلك ، ولم يسبق أن امتنّ عليكم بمثل ذلك في التوراة والإنجيل فأنتم لا تعلمون ذلك ، فلما جاء الإسلام وأنبأ بذلك أردتم أن تنتحلوا هذه المزية ، واستيقظتم لذلك حسدا على هذه النعمة ، فنهضت الحجة عليهم ، ولم يبق لهم معذرة في أن يقولوا : إنّ مجيء التوراة والإنجيل من بعد إبراهيم مشترك الإلزام لنا ولكم ؛ فإنّ القرآن أنزل بعد إبراهيم ، ولو لا انتظام الدليل على الوجه الذي ذكرنا لكان مشترك الإلزام.
والاستفهام في قوله : (فَلِمَ تُحَاجُّونَ) مقصود منه التنبيه على الغلط.
وقد أعرض في هذا الاحتجاج عليهم عن إبطال المنافاة بين الزيادة الواقعة في الدين الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم على الدين الذي جاء به إبراهيم ، وبين وصف الإسلام بأنّه ملّة إبراهيم : لأنّهم لم يكن لهم من صحة النظر ما يفرقون به بين زيادة الفروع ، واتحاد الأصول ، وأنّ مساواة الدينين منظور فيها إلى اتحاد أصولهما سنبينها عند تفسير قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) [آل عمران : ٢٠] وعند قوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) فاكتفي في المحاجّة بإبطال مستندهم في قولهم : «فقد زدت فيه ما ليس فيه على طريقة المنع ، ثم بقوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) [آل عمران : ٦٧] على طريقة الدعوى بناء على أنّ انقطاع المعترض كاف في اتجاه دعوى المستدل.
وقوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ) تقدم القول في نظيره عند قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) في سورة البقرة [٨٥].
وقرأ الجمهور : ها أنتم بإثبات ألف ها وبتخفيف همزة أنتم ، وقرأه قالون ، وأبو عمرو ، ويعقوب : بإثبات الألف وتسهيل همزة أنتم ، وقرأه ورش بحذف ألف ها وبتسهيل همزة أنتم وبإبدالها ألفا أيضا مع المد ، وقرأه قنبل بتخفيف الهمزة دون ألف.